التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٦٥
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا } كلامٌ مبتدأ مَسوقٌ لإبطال بعضِ ما صدر عنهم من الظنون الفاسدةِ والأقاويلِ الباطلةِ الناشئةِ منها، إثرَ إبطالِ بعضٍ آخرَ منها، والهمزةُ للتقريع والتقريرِ، والواو عاطفةٌ لمدخولها على محذوف قبلها، و{ لَّمّاً } ظرف لقلتم مضافٌ إلى ما بعده، و{ قَدْ أَصَبْتُمْ } في محل الرفعِ على أنه صفةٌ لمصيبة، والمرادُ بها ما أصابهم يومَ أحدٍ من قتل سبعين منهم، وبمِثْليها ما أصاب المشركين يومَ بدرٍ من قتل سبعين منهم وأسْرِ سبعين. و{ أَنَّىٰ هَـٰذَا } مقولُ قلتم، وتوسيطُ الظرفِ وما يتعلق به بـينه وبـين الهمزةِ، مع أن المقصودَ إنكارُه والمعطوفُ بالواو حقيقةً لتأكيد النكيرِ وتشديد التقريعِ فإن فعلَ القبـيحِ في غير وقتِه أقبحُ، والإنكارَ على فاعله أدخلُ، والمعنى أحين أصابكم من المشركين نصفُ ما قد أصابهم منكم قبل ذلك جزِعتم وقلتم: من أين أصابنا هذا؟ وقد تقدم الوعدُ بالنصر على توجيه الإنكارِ والتقريعِ إلى صدور ذلك القولِ عنهم في ذلك الوقتِ خاصة بناءً على عدم كونِه مَظِنةً له داعياً إليه بل على كونه داعياً إلى عدمه، فإن كونَ مصيبةِ عدوِّهم ضعفَ مصيبتِهم مما يُهوِّن الخطْبَ ويورث السَّلْوةَ، أو أفعلتم ما فعلتم ولما أصابتكم غائلتُه قلتم: أنى هذا؟ على توجيه الإنكارِ إلى استبعادهم الحادثةَ مع مباشرتهم لسببها، وتذكيرُ اسمِ الإشارةِ في { أَنَّىٰ هَـٰذَا } مع كونه إشارةً إلى المصيبة ليس لكونها عبارةً عن القتل ونحوِه بل لما أن إشارتَهم ليست إلا إلى ما شاهدوه في المعركة من حيث هو من غير أن يخطُر ببالهم تسميتُه باسمٍ ما فضلاً عن تسميته باسم المصيبةِ وإنما هي عند الحكاية، وقوله عز وجل: { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } أمرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يُجيب عن سؤالهم الفاسدِ إثرَ تحقيقِ فسادِه بالإنكار والتقريعِ ويُبكّتهم ببـيان أن ما نالهم إنما نالهم من جهتهم بتركهم المركزَ وحِرصِهم على الغنيمة وقيل: باختيارهم الخروجَ من المدينة، ويأباه أن الوعدَ بالنصر كان بعد ذلك كما ذكر عند قوله تعالى: { { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [آل عمران، الآية 152] الآية، وأن عملَ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم بموجبه قد رَفَع الخطرَ عنه وخفف جنايتَهم فيه، على أن اختيارَ الخروجِ والإصرارَ عليه كان ممن أكرمهم الله تعالى بالشهادة يومئذ وأين هم من التفوّه بمثل هذه الكلمة؟ وقيل: بأخذهم الفداءَ يوم بدر قبل أن يُؤذَن لهم، والأولُ هو الأظهرُ والأقوى، وإنما يعضُده توسيطُ خطابِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بـين الخِطابـين المتوجهَيْن إلى المؤمنين وتفويضُ التبكيتِ إليه عليه السلام، فإن توبـيخَ الفاعل على الفعل إذا كان ممن نهاه عنه كان أشدَّ تأثيراً { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } ومن جملته النصرُ عند الطاعةِ والخِذلانُ عند المخالفةِ وحيث خرجتم عن الطاعة أصابكم منه تعالى ما أصابكم. والجملةُ تذيـيلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبلها داخلٌ تحت الأمرِ.