التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٧٨
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ } عطفٌ على قوله تعالى: { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ } [آل عمران، الآية 176] الآية، والفعلُ مسندٌ إلى الموصول و{ أن } بما في حيّزها سادةٌ مسدَّ مفعوليه عند سيبويهِ لتمام المقصودِ بها وهو تعلقُ الفعلِ القلبـيِّ بالنسبة بـين المبتدأ والخبرِ أو مسدَّ أحدِهما والآخرُ محذوفٌ عند الأخفش، وما مصدريةٌ أو موصولةٌ حذف عائدُها ووصلُها في الكتابة لاتّباع الإمامِ أي لا يحسبن الكافرون أن إملأَنا لهم أو أن ما نُمليه لهم خيرٌ لأنفسهم، أو لا يحسبن الكافرون خيريةَ إملائِنا لهم أو خيريةَ ما نُمليه لهم ثابتةٌ أو واقعةٌ ومآلُه نهيُهم عن السرور بظاهر إملائِه تعالى لهم بناءً على حُسبان خيريّتِه لهم وتحسيرِهم ببـيان أنه شرٌّ بحتٌ وضررٌ محضٌ كما أن مآلَ المعطوفِ عليه نهيُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم عن الحزن بظاهر حالِ الكفرةِ بناءً على توهم الضررِ من قِبَلهم وتسليتِه عليه السلام ببـيان عجزِهم عن ذلك بالكلية، والمرادُ بالموصول إما جنسُ الكفرةِ فيندرج تحت حكمِه الكليِّ أحكامُ المعهودين اندراجاً أولياً، وإما المعهودون خاصة فإيثارُ الإظهارِ يدلّ على الإضمار لرعاية المقارنةِ الدائمة بـين الصلةِ وبـين الإملاءِ الذي هو عبارةٌ عن إمهالهم وتخليتِهم وشأنَهم دهراً طويلاً، فإن المقارنَ له دائماً إنما هو الكفرُ المستمرُّ لا المسارعةُ المذكورةُ ولا الاشتراءُ المذكورُ فإنهما من الأحوال المتجددةِ المنْقضيةِ في تضاعيف الكفرِ المستمرِّ.

وقرىء لا تحسبن بالتاء والخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأنسبُ بمقام التسليةِ، أو لكل من يتأتى منه الحُسبانُ قصداً إلى إشاعة فظاعةِ حالِهم، والموصولُ مفعولٌ و{ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ } [آل عمران، الآية 178] إما بدلٌ منه وحيث كان التعويلُ على البدل وهو سادٌّ مسدَّ المفعولين كما في قوله تعالى: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ } [الفرقان، الآية 44] اقتُصر على مفعولٍ واحدٍ كما في قولك: جعلتُ المتاعَ بعضَه فوق بعضٍ، وإما مفعولٌ ثانٍ بتقدير مضافٍ: إما فيه أي لا تحسبن الذين كفروا أصحابَ أن الإملاءِ خيرٌ لأنفسهم أو في المفعول الأولِ أي لا تحسبن حالَ الذين كفروا أن الإملاء خيرٌ لأنفسهم، ومعنى التفضيلِ باعتبارِ زعمِهم.

{ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } استئنافٌ مبـينٌ لحكمةِ الإملاءِ، وما كافة واللامُ لامُ الإرادة وعند المعتزلةِ لامُ العاقبة، وقرىء بفتح الهمزة هٰهنا على إيقاع الفعلِ عليه، وكسرُها فيما سبق على أنه اعتراضٌ بـين الفعل ومعمولِه مفيدٌ لمزيد الاعتناءِ بإبطال الحسبانِ وردِّه على معنى لا يحسَبن الكافرون أن إملأَنا لهم لازدياد الإثمِ حسبما هو شأنُهم بل إنما هو لتلافي ما فَرَط منهم بالتوبة والدخولِ في الإيمان { وَلَهُمْ } في الآخرة { عَذَابٌ مُّهِينٌ } لمّا تضمّنَ الإملاءُ التمتيعَ بطيبات الدنيا وزينتِها وذلك مما يستدعي التعزّزَ والتجبّر وُصف عذابُهم بالإهانة ليكون جزاؤهم جزاءً وفاقاً، والجملةُ إما مبتدأةٌ مبـيّنةٌ لحالهم في الآخرة إِثرَ بـيانِ حالِهم في الدنيا، وإما حالٌ من الواو أي ليزدادوا إثماً مُعداً لهم عذابٌ مهين، وهذا متعيِّن على القراءة الأخيرة.