التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٢
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٣
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ } كما في قولك: الشيطانُ ــ فاحذر ــ عدوٌ مبـين وعلى الأول هو استئناف واسم الإشارة مبتدأ وما فيه من معنى البعد للدِلالة على ترامي أمرهم في الضلال وبُعد منزلتهم في فظاعة الحال، والموصولُ بما في حيز صلته خبرُه أي أولئك المتصفون بتلك الصفات القبـيحة أو المبتلون بأسوأ الحال الذين بطلت أعمالُهم التي عمِلوها من البر والحسنات ولم يبق لها أثر في الدارين بل بقي لهم اللعنة والخزيُ في الدنيا وعذاب أليم في الآخرة { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } ينصرونهم من بأس الله وعذابِه في إحدى الدارين، وصيغةُ الجميع لرعاية ما وقع في مقابلته لا لنفي تعددِ الأنصار من كل واحد منهم كما في قوله تعالى: { { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [البقرة، الآية 270].

{ أَلَمْ تَرَ } تعجيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتّىٰ منه الرؤيةُ من حال أهل الكتاب وسوءِ صنيعِهم، وتقرير لما سبق من أن اختلافهم في الإسلام إنما كان بعد ما جاءهم العلم بحقّيته أي ألم تنظرُ { إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي التوراةِ على أن اللامَ للعَهدْ وحملُه على جنس الكتبِ الإلٰهية تطويلٌ للمسافة إذ تمامُ التقريب حينئذ بكون التوراة من جملتها لأن مدار التشنيع والتعجيب إنما هو إعراضُهم عن المحاكمة إلى ما دُعوا إليه وهم لم يُدْعَوا إلا إلى التوراة، والمرادُ بما أوتوه منها ما بُـيِّن لهم فيها من العلوم والأحكام التي من جملتها ما علِموه من نعوت النبـي صلى الله عليه وسلم وحقّية الإسلام، والتعبـيرُ عنه بالنصيب للإشعار بكمال اختصاصِه بهم وكونِه حقاً من حقوقهم التي يجبُ مراعاتُها والعملُ بموجبها وما فيه من التنكير للتفخيم، وحملُه على التحقير لا يساعده مقامُ المبالغة في تقبـيح حالِهم { يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } الذي أوتوا نصيباً منه وهو التوراة، والإظهارُ في مقام الإضمار لإيجاب الإجابة، وإضافتُه إلى الاسم الجليلِ لتشريفه وتأكيدِ وجوب المراجعةِ إليه، والجملةُ استئنافٌ مبـيِّنٌ لمحل التعجيب مبنيّ على سؤال نشأ من صدر الكلام كأنه قيل: ماذا يصنعون حتى ينظُرَ إليهم؟ فقيل: يُدعون إلى كتاب الله تعالى، وقيل: حال من الموصول { لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } وذلك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مِدراسَهم فدعاهم إلى الإيمان فقال له نعيمُ بن عمرو، والحٰرث بن زيد: على أيّ دين أنت؟ قال عليه الصلاة والسلام: على ملة إبراهيم قالا: إن إبراهيمَ كان يهودياً فقال صلى الله عليه وسلم لهما: إن بـيننا وبـينكم التوراةَ فهلُمّوا إليها فأبـيا" . وقيل: نزلت في الرجم وقد اختلفوا فيه وقيل: { كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } القرآنُ فإنهم قد علموا أنه كتابُ الله ولم يشكوا فيه، وقرىء ليُحكَم على بناء المجهول فيكون الاختلافُ بـينهم بأن أسلم بعضُهم كعبد اللَّه بن سلام وأضرابه وعاداهم الآخرون { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } استبعاد لتولّيهم بعد علمِهم بوجوب الرجوع إليه { وَهُم مُّعْرِضُونَ } إما حال من { فَرِيقٌ } لتخصصه بالصفة أي يتولون من المجلس وهم معرضون بقلوبهم، أو اعتراضٌ أي وهم قوم ديدنُهم الإعراضُ عن الحق والإصرارُ على الباطل.