التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ
٢٢
-الروم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمِنْ ءايَـٰتِهِ } الدَّالَّةِ على ما ذُكر من أمر البعثِ وما يتلُوه من الجزاءِ { خُلِقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } إما من حيثُ إنَّ القادرَ على خلقِهما بما فيهما من المخلوقات بلا مادَّة مستعدةِ لها أظهرُ قدرة على إعادِة ما كان حيَّاً قبل ذلك وإمَّا منْ حيثُ إنَّ خلقهما وما فيهما ليس إلا لمعاشِ البشرِ ومعادِه كما يُفصح عنه قولُه تعالى: { { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [سورة البقرة: الآية 29] وقولُه تعالى: { { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [سورة هود: الآية 7] { وَٱخْتِلَـٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ } أي لغاتِكم بأنْ علَّم كلَّ صنفٍ لغتَهُ وألهمه وضعَها وأقدرَه عليها، أو أجناسِ نُطفكم وأشكالِه فإنَّك لا تكادُ تسمعُ منطقينِ متساويـينِ في الكيفيَّةِ من كلِّ وجهٍ { وَأَلْوٰنِكُمْ } ببـياضِ الجلدِ وسوادِه وتوسطِه فيما بـينهما أو تخطيطاتِ الأعضاءِ وهيئاتِها وألوانِها وحُلاها بحيثُ وقعَ بها التمايزُ بـين الأشخاسِ حتَّى إنَّ التَّوأمينِ مع توافقِ موادِّهما وأسبابِهما والأمورِ المتلاقيةِ لهما في التَّخليقِ يختلفانِ في شيءٍ من ذلك لا محالَة وإنْ كانا في غايةِ التَّشابِه وإنَّما نُظِمَ هذا في سلكِ الآياتِ الآفاقيةِ من خلقِ السَّمواتِ والأرضِ مع كونِه من الآياتِ الأنفسيةِ الحقيقية بالانتظامِ في سلكِ ما سبق من خلقِ أنفسِهم وأزواجِهم للإيذانِ باستقلالِه والاحترازِ عن توهُّمِ كونِه من تتمَّاتِ خلقِهم { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي فيما ذُكر من خلقِ السَّمواتِ والأرضِ واختلافِ الألسنةِ والألوانِ { لآيَاتٍ } عظيمةً في أنفسِها كثيرةً في عددِها { لّلْعَـٰلَمِينَ } أي المتَّصفين بالعلمِ كما في قولِه تعالى: { { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } [سورة العنكبوت: الآية 43] . وقُرىء بفتحِ اللامِ وفيه دلالةٌ على كمالِ وضوحِ الآياتِ وعدمِ خفائِها على أحدٍ من الخلقِ كافَّة.

{ وَمِنْ ءايَـٰتِهِ مَنَامُكُم بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } لاستراحةِ القوى النَّفسانيةِ وتقوِّي القُوى الطَّبـيعيةِ.