التفاسير

< >
عرض

خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
١٠
هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
١١
-لقمان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى: { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال من الضَّميرِ في لهم أو مِن جنَّاتِ النَّعيمِ لاشتماله على ضميريهِما والعاملُ ما تعلَّق به اللامُ { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّا } مصدرانِ مؤكِّدانِ، والأول لنفسه والثَّاني لغيرهِ لأنَّ قولَه تعالى لهم جنَّاتُ النَّعيمِ في معنى وعَدَهم الله جنَّاتِ النَّعيمِ. { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي لا يغلبه ليمنعه من إنجازِ وعدِه أو تحقيقِ وعيدِه { ٱلْحَكِيمُ } الذي لا يفعلُ إلا ما تقتضيهِ الحكمةُ والمصلحةُ.

{ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتَ بِغَيْرِ عَمَدٍ } الخ استئنافٌ مسوقٌ للاستشهادِ بما فُصِّل فيه على عزَّتِه تعالى التي هي كمالُ القدرةِ وحكمتِه التي هي كمالُ العلمِ وتمهيدُ قاعدةِ التوحيد وتقريرُه وإبطالُ أمرِ الإشراكِ وتبكيتُ أهلِه. والعَمَدُ جمعُ عمادٍ كأَهبٍ جمعُ إهابٍ وهو ما يُعمَّدُ به أي يُسندُ. يُقال عمَّدتُ الحائطَ إذا دعَّمتُه أي بغيرِ دعائم، على أنَّ الجمعَ لتعددِ السَّمواتِ. وقولُه تعالى: { تَرَوْنَهَا } استئنافٌ جِيءَ بهِ للاستشهادِ على ما ذُكر من خلقِه تعالى لها غيرَ معمودةٍ بمُشاهدتِهم لها كذلك، أو صفةٌ لعَمَدٍ أي خلقَها بغيرِ عمدٍ مرئيَّةٍ على أنَّ التَّقيـيدَ للرَّمزِ إلى أنَّه تعالى عمَّدها بعَمدٍ لا تَرَونها هي عَمَدُ القُدرةِ { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ } بـيانٌ لصُنعه البديعِ في قرارِ الأرض إثرَ بـيانِ صُنعه الحكيمِ في قرارٍ السَّمواتِ والأرضِ أي ألقى فيها جبالاً ثوابتَ. وقد مرَّ ما فيه من الكلامِ في سُورة الرَّعدِ: الآية 2 { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } كراهةَ أنْ تميلَ بكم فإنَّ بساطةَ أجزائِها تقتضِي تبدُّلَ أحيازِها وأوضاعِها لامتناعِ اختصاصِ كلَ منها لذاتِه أو لشيءٍ من لوازمِه بحيِّزٍ معيَّنٍ ووضعٍ مخصوصٍ { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ } من كلِّ نوعٍ من أنواعِها { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاءً } هو المطرُ { فَأَنبَتْنَا فِيهَا } بسببٍ ذلك الماءِ { مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } من كلِّ صنفٍ كثيرِ المنافعِ. والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ في الفعلينِ لإبرازِ مزيدِ الاعتناءِ بأمرِها { هَـٰذَا } أي ما ذُكر من السَّمواتِ والأرضِ وما تعلَّق بهما من الأمورِ المعدودةِ { خَلَقَ ٱللَّهُ } أي مخلوقُه { فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } ممَّا اتخذتُموهم شركاءً له سبحانه في العبادةِ حتَّى استحقُّوا به المعبوديَّةَ. وماذا نُصب بخَلْقُ، أو مَا مرتفعٌ بالابتداءِ وخبرُه ذَا بصلتِه، وأرُوني متعلِّقٌ به. وقولُه تعالى: { بَلِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } إضرابٌ عن تبكيتِهم بما ذُكر إلى التَّسجيلِ عليهم بالضَّلالِ البـيِّنِ المُستدعي للإعراضِ عن مخاطبتِهم بالمقدِّماتِ المعقولةِ الحقَّةِ لاستحالة أنْ يفهمُوا منها شيئاً فيهتدوا به إلى العلمِ ببطلانِ ما هُم عليه أو يتأثَّروا من الإلزامِ والتَّبكيتِ فينزجُروا عنه. ووضعُ الظَّاهرِ موضعَ ضميرِهم للدِّلالةِ على أنَّهم بإشراكِهم واضعون للشَّيءِ في غيرِ موضعِه ومتعدُّون عن الحدودِ وظالمون لأنفسِهم بتعريضِها للعذابِ الخالدِ.