التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٢
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
٣
-السجدة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

(سورة السجدة مكية وهى ثلاثون آية وقيل تسع وعشرون)

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم } { الم } إمَّا اسمٌ للسورة فمحلّه الرَّفعُ على أنَّه خبر لمبتدأ محذوفٍ أي هذا مسمَّى بألمِ والإشارةُ إليها قبل جريانِ ذكرِها قد عرفتَ سرَّها، وإمَّا مسرودٌ على نمطِ التَّعديدِ فلا محلَّ له من الإعرابِ، وقوله تعالى { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } على الأول خبرٌ بعدَ خبرٍ على أنَّه مصدرٌ أُطلق على المفعولِ مبالغةً وعلى الثَّاني خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي المؤلَّفُ من جنسِ ما ذُكر تنزيلُ الكتابِ وقيل خبرٌ لألم أي المسمَّى تنزيلُ الكتابِ وقد مرَّ مراراً أن ما يُجعل عنواناً للموضوعِ حقُّه أنْ يكونَ قبل ذلك معلومَ الانتسابِ إليه وإذ لا عهدَ بالتَّسميةِ قبلُ فحقُّها الإخبارُ بها، وقوله تعالى { لاَ رَيْبَ فِيهِ } خبرٌ ثالثٌ على الوجهِ الأولِ وثانٍ على الأخيرينِ وقيل: خبرٌ لتنزيلُ الكتابِ فقولُه تعالى { مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } متعلقٌ بمضمرٍ هو حالٌ من الضَّميرِ المجرورِ أي كائناً منه تعالى، لا بتنزيلُ لأنَّ المصدرَ لا يعملُ فيما بعد الخبرِ والأوجهُ حينئذٍ أنَّه الخبرُ، ولا ريبَ فيهِ حالٌ من الكتابِ أو اعتراضٌ والضَّميرُ في فيهِ راجعٌ إلى مضمونِ الجملةِ كأنَّه قيل لا ريبَ في ذلك أي في كونِه منزَّلاً من ربِّ العالمين. ويُؤيده قولُه تعالى { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } فإنَّ قولَهم هذا إنكارٌ منهم لكونه من ربَّ العالمين فلا بدَّ أنْ يكونَ موردُه حكماً مقصودَ الإفادةِ لا قيداً للحكم بنفيِ الرَّيب عنه وقد رُدَّ عليهم ذلك وأُبطل حيث جِيء بأم المنقطعةِ إنكاراً له وتعجيباً منه لغاية ظهورٍ بُطلانِه واستحالةِ كونِه مفترى ثم أُضرب عنه إلي بـيانِ حقِّيةِ ما أنكروه حيثُ قيل: { بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } بإضافة اسم الربِّ إلى ضميره عليه الصَّلاة والسَّلام بعد إضافته فيما سبق إلى العالمين تشريفاً له عليه الصَّلاة والسَّلام ثم أيَّد ذلك ببـيان غايته حيثُ قيل: { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَـٰهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } فإنَّ بـيان غايةِ الشيءِ وحكمته لا سيَّما عند كونها غاية حميدةً مستتبعة لمنافعَ جليلةٍ في وقت شدَّةِ الحاجة إليها ممَّا يُقرر وجودَ الشيءِ ويؤكِّده لا محالة ولقد كانت قريشٌ أضلَّ النَّاسِ وأحوجَهم إلى الهدايةِ بإرسال الرَّسول وتنزيل الكتاب حيثُ لم يبعث إليهم من رسولٍ قبله عليه الصَّلاة والسَّلام أي ما أتاهم من نذير من قبل إنذارِك أو من قبل زمانِك، والتَّرجِّي معتبرٌ من جهته عليه الصَّلاة والسَّلام أي لتنذرَهم راجياً لاهتدائهم أو لرجاء اهتدائهم، واعلم أنَّ ما ذُكر من التَّأيـيدِ، إنَّما يتسنَّى على ما ذُكر من كون تنزيلُ الكتابِ مبتدأً وأما على سائرِ الوجوهِ فلا تأيـيدَ أصلاً لأنَّ قولَه تعالى من ربِّ العالمين خبرٌ رابعٌ على الوجهِ الأولِ وخبرٌ ثالثٌ على الوجهين الأخيرينِ وأيّاً ما كان فكونُه من ربِّ العالمين حكمٌ مقصودُ الإفادةِ لا قيدٌ لحكمٍ آخرَ. فتدبَّر.