التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
٢٤
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٢٥
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ
٢٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ
٢٧
-السجدة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ } بقيتهم بما في تضاعيفِ الكتابِ من الحُكم والأحكامِ إلى طريقِ الحقِّ أو يهدونَهم إلى ما فيهِ من دينِ الله وشرائعِه { بِأَمْرِنَا } إيَّاهم بذلك أو بتوفيقِنا له { لَمَّا صَبَرُواْ } هي لما التي فيها مَعنى الجزاءِ نحو أحسنتُ إليك لمَّا جئتنِي. والضَّميرُ للأئمةِ تقديرُه لمَّا صبرُوا جعلناهُم أئمةً أو هي ظرفٌ بمعنى الحينِ أي جعلناهُم أئمةً حين صبرُوا والمرادُ صبرُهم على مشاقِّ الطَّاعاتِ ومقاساة الشَّدائدِ في نُصرةِ الدِّينِ أو صبرُهم عن الدُّنيا. وقُرىء لِمَا صبرُوا أي لصبرِهم { وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } التي في تضاعيفِ الكتابِ { يُوقِنُونَ } لإمعانِهم فيها النَّظرَ والمعنى كذلك لنجعلنَّ الكتابَ الذي آتيناكَه هُدى لأمَّتِك ولنجعلنَّ منهم أئمَّةً يهدون مثلَ تلك الهدايةِ { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ } أي يقضِي { بَيْنَهُمْ } قيل: بـينَ الأنبـياءِ وأممِهم وقيل: بـين المؤمنينَ والمشركينَ { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } فيميِّزُ بـين المُحقِّ والمُبطلِ { فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من أمورِ الدِّينِ { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } الهمزةُ للإنكارِ والواوُ للعطفِ على منويَ يقتضيهِ المقامُ من فعل الهداية. إما من قولهم: فلانٌ يعطي في أنَّ المرادَ إيقاعُ نفسِ الفعلِ بلا ملاحظةِ المفعولِ وإمَّا بمعنى التَّبـيـينِ والمفعولُ محذوفٌ والفاعلُ ما دلَّ عليهِ قوله تعالى: { كَمْ أَهْلَكْنَا } أي أغفلُوا ولم يفعلِ الهدايةَ لهم أو ولم يبـيِّن لهم مآل أمرِهم كثرةُ إهلاكِنا { مِن قَبْلِهِمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ } مثلُ عادٍ وثمودٍ وقومِ لوطٍ. وقُرىء نهدِ لهم بنونِ العظمةِ وقد جُوِّز أن يكونَ الفاعلُ على القراءةِ الأولى أيضاً ضميرُه تعالى فيكون قوله تعالى: { كَمْ أَهْلَكْنَا } الخ، استئنافاً مبـيِّناً لكيفيَّةِ هدايتِه تعالى { يَمْشُونَ فِى مَسَـٰكِنِهِمْ } أي يمرُّون في متاجرِهم على ديارِهم وبلادِهم ويشاهدُون آثارَ هلاكِهم. والجملةُ حالٌ من ضميرِ لَهُم. وقُرىء يمشُون للتَّكثيرِ { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي فيما ذُكر من كثرةِ إهلاكِنا للأممِ الخاليةِ العاتيةِ أو في مساكنِهم { لآيَاتٍ } عظيمةً في أنفسِها كثيرةً في عددِها { أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } هذه الآياتِ سماعَ تدبرٍ واتِّعاظٍ { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَاء إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } أي التي جَرزَ نباتُها أي قُطع وأُزيل بالمرَّةِ وقيل: هو اسمُ موضعٍ باليمنِ { فَنُخْرِجُ بِهِ } من تلك الأرضِ { زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ } أي من ذلك الزَّرعِ { أَنْعَـٰمُهُمْ } كالتِّبنِ والقصيلِ والورقِ وبعضِ الحبوبِ المخصوصةِ بها. وقُرىء يأكلُ بالياءِ { وَأَنفُسُهمْ } كالحبوبِ التي يقتاتُها الإنسانُ والثمارِ { أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } أي ألا ينظرون فلا يُبصرون ذلك ليستدلُّوا به على كمال قدرتِه تعالى وفضله.