التفاسير

< >
عرض

لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
٢٤
وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً
٢٥
-الأحزاب

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } متعلقٌ بمضمرٍ مستأنفٍ مسوقٌ بطريقِ الفذلكةِ لبـيانِ ما هُو داعٍ إلى وقوعِ ما حُكي من الأحوالِ والأقوالِ على التَّفصيلِ وغاية له كما مرَّ في قولِه تعالى: { { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } [سورة الأحزاب: الآية 8] كأنَّه قيلَ: وقعَ جميعُ ما وقعَ ليجزيَ الله الصَّادقين بما صدرَ عنهُم من الصِّدقِ والوفاءِ قولاً وفعلاً { وَيُعَذّبَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } بما صدرَ عنهُم من الأعمالِ والأقوالِ المحكيَّةِ { إِن شَاء } تعذيبَهم { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } إنْ تابُوا وقيل: متعلِّقٌ بما قبلَه من نفيِ التَّبديلِ المنطوقِ وإثباته المعرضَ به كأنَّ المُنافقين قصدُوا بالتَّبديلِ عاقبةَ السُّوءِ كما قصدَ المُخلصون بالثباتِ والوفاءِ العاقبةَ الحُسنى، وقيلَ: تعليلٌ لصدقُوا، وقيل: لما يُفهم من قولِه تعالى: { { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً } [سورة الأحزاب: الآية 22] وقيل: لما يُستفاد من قولِه تعالى: { { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ } [سورة الأحزاب: الآية 22] كأنَّه قيل: ابتلاهُم الله تعالى برؤيةِ ذلك الخطبِ ليجزيَ الآيةَ فتأمَّل وبالله التَّوفيق. { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } أي لمن تابَ وهُو اعتراضٌ فيه بعثٌ إلى التَّوبةِ. وقولُه تعالى: { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } رجوعٌ إلى حكايةِ بقيةِ القصَّةِ وتفصيلُ تتمةِ النِّعمةِ المشارِ إليها إجمالاً بقولِه تعالى: { { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } [سورة الأحزاب: الآية 9] معطوفٌ إمَّا على المضمرِ المقدَّرِ قبل قولِه تعالى: { { لّيَجْزِىَ ٱللَّهُ } كأنَّه قيل إثرَ حكايةِ الأمورِ المذكورةِ: وقعَ ما وقعَ من الحوادثِ وردَّ الله الخ، وإمَّا على أرسلنَا وقد وسِّط بـينهما بـيانُ كونِ ما نزَل بهم واقعةً طامَّة تحيَّرتْ بها العقولُ والأفهامُ وداهيةً تامَّةً تحاكت منها الرُّكبُ وزلَّتِ الأقدامُ. وتفصيلُ ما صدَر عن فريقَيْ أهلِ الإيمانِ وأهلِ الكفرِ والنفاقِ من الأحوالِ والأقوالِ لإظهارِ عظمِ النِّعمةِ وإبانةِ خطرِها الجليلِ ببـيانِ وصولِها إليهم عند غايةِ احتياجِهم إليها أي فأرسلنا عليهم ريحاً وجُنوداً لم ترَوها ورددنا بذلك الذين كفرُوا، والالتفاتُ إلى الاسمِ الجليلِ لتربـيةِ المهابةِ وإدخالِ الرَّوعةِ. وقولُه تعالى: { بِغَيْظِهِمْ } حالٌ من الموصولِ أي مُلتبسين بهِ وكذا قولُه تعالى: { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } بتداخلٍ أو تعاقبٍ أي غيرَ ظافرينَ بخير أو الثَّانية بـيانٌ للأُولى أو استئنافٌ.

{ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } بما ذُكر من إرسالِ الرِّيحِ والجُنودِ { وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً } على إحداثِ كلِّ ما يُريد { عَزِيزاً } غالباً على كلِّ شيءٍ.