التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً
٣٦
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً
٣٧
-الأحزاب

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } أي ما صحَّ وما استقامَ لرجلٍ ولا امرأةٍ من المؤمنينَ والمؤمناتِ { إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً } أيْ إذا قضَى رسولُ الله، وذكرُ الله تعالى لتعظيمِ أمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أو للإشعارِ بأنَّ قضاءَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قضاءُ الله عزَّ وجلَّ لأنَّه (نزلَ في زينبَ بنتِ جحشٍ بنتِ عمَّتِه أميمةَ بنتِ عبدِ المُطَّلبِ خطبَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيدِ بنِ حارثةَ فأبتْ هيَ وأخُوها عبدُ اللَّه). (وقيلَ: في أمِّ كُلثوم بنتِ عقبةَ بنِ أبـي معيطٍ وهبتْ نفسَها للنبـيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فزوَّجها من زيدٍ فسخطتْ هي وأخُوها وقالا: إنَّما أردنا رسولَ الله فزوَّجنا عبدَه) { أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } أنْ يختارُوا من أمرِهم ما شاءوا بل يجبُ عليهم أنْ يجعلُوا رأيَهم تبعاً لرأيِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واختيارَهم تلواً لاختيارِه. وجمعُ الضَّميرينِ لعمومِ مؤمنٍ ومؤمنةٍ لوقوعِهما في سياقِ النَّفيِ. وقيل: الضَّميرُ الثَّانِي للرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والجمعُ للتَّعظيمِ. وقُرىء تكونَ بالتَّاءِ { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في أمرٍ من الأمورِ ويعملْ فيهِ برأيِه { فَقَدْ ضَلَّ } طريقَ الحقِّ { ضَلَـٰلاً مُّبِيناً } أي بـيِّنَ الانحرافِ عن سَنَنِ الصَّوابِ.

{ وَإِذْ تَقُولُ } أي واذكُر وقتَ قولِك { لِلَّذِى أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بتوفيقِه للإسلامِ وتوفيقِك لحسنِ تربـيتِه ومراعاتِه { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالعملِ بما وفَّقك الله له من فنونِ الإحسانِ التي من جُملتها تحريرُه وهو زيد بنُ حارثةَ وإيرادُه بالعنوانِ المذكورِ لبـيانِ منافاةِ حالِه لما صدرَ عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من إظهارِ خلافِ ما في ضميرِه إذ هُو إنَّما يقعُ عند الاستحياءِ أو الاحتشامِ وكلاهما ممَّا لا يُتصور في حقِّ زيدٍ { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } أي زينبَ (وذلك أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أبصرَها بعد ما أنكحَها إيَّاه فوقعتْ في نفسِه ـ حالةٌ جبلِّيةٌ لا يكادُ يسلمُ منها البشرُ ـ فقالَ: "سبحانَ الله مقلبِ القلوبِ" ، وسمعتْ زينبُ بالتَّسبـيحةِ فذكرتْها لزيدٍ ففطِن لذلكَ، ووقعَ في نفسِه كراهةُ صُحبتِها فأتَى النبـيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقال: أريدُ أنْ أفارقَ صاحبتِي، فقالَ: "ما لَك أرابَك منها شيءٌ؟" قال: لا والله ما رأيتُ منها إلا خيراً ولكنَّها لشرفِها تتعظمُ عليَّ، فقال له: "أمسكْ عليكَ زوجَك" { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } في أمرِها فلا تُطلقها إضراراً وتعللاً بتكبّرها { وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } وهو نكاحُها إنْ طلَّقها أو إرادةُ طلاقِها { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } تعيـيرَهم إيَّاك به { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـٰهُ } إنْ كانَ فيه ما يُخشى والواوُ للحالِ، وليستْ المعاتبةُ على الإخفاءِ وحدَه بل على الإخفاءِ مخافةَ قالةِ النَّاسِ وإظهارِ ما يُنافي إضمارَه فإنَّ الأَولى في أمثالِ ذلك أنْ يصمتَ أو يُفوِّضَ الأمرَ إلى ربِّه { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً } بحيثُ لم يبقَ له فيها حاجةٌ وطلَّقها وانقضتِ عدَّتُها وقيل: قضاءُ الوَطَرِ كنايةٌ عن الطَّلاقِ مثلُ لا حاجةَ لي فيكِ { زَوَّجْنَـٰكَهَا } وقُرىء زوَّجتكها والمرادُ الأمرُ بتزويجِها منه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل: جعَلَها زوجتَه بلا واسطةِ عقدٍ، ويُؤيده أنَّها كانتْ تقولُ لسائرِ نساءِ النبـيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إنَّ الله تعالى تولَّى نكاحي وأنتنَّ زوجكنَّ أولياؤكنَّ". وقيل: كان زيدٌ السَّفيرَ في خطبتِها وذلك ابتلاءٌ عظيمٌ وشاهدُ عدلٍ بقوَّةِ إيمانِه { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } ضيقٌ ومشقَّةٌ { فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ } أي في حقِّ تزوجهن { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } فإنَّ لهم في رسولِ الله أسوةً حسنةً وفيه دلالةٌ على أنَّ حكمَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وحكمَ الأمَّة سواءٌ إلا ما خصَّه الدَّليلُ { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي ما يريدُ تكوينَه من الأمورِ أو مأمورُه الحاصلُ بكُنْ { مَفْعُولاً } مكوناً لا محالةَ اعتراضٌ تذيـيليٌّ مقررٌ لما قبلَه.