التفاسير

< >
عرض

إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً
٥٤
لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً
٥٥
إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
٥٦
-الأحزاب

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِن تُبْدُواْ شَيْئاً } ممَّا لا خيرَ فيه كنكاحهنَّ على ألسنتِكم { أَوْ تُخْفُوهْ } في صدورِكم { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلّ شَيْء عَلِيماً } فيجازيكم بما صدرَ عنكُم من المعاصِي الباديةِ والخافيةِ لا محالَة، وفي هذا التعميمِ مع البُرهانِ على المقصودِ مزيدُ تهويلٍ وتشديدٍ ومبالغةٍ في الوعيدِ.

{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءابَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوٰنِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاء إِخْوٰنِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاء أَخَوٰتِهِنَّ } استئنافٌ لبـيانِ مَن لا يجبُ الاحتجابُ عنهم رُوي أنَّه لمَّا نزلتْ آيةُ الحجابِ قالَ الآباءُ والأبناءُ والأقاربُ يا رسولَ الله أوَ نكلمهن أيضاً من وراءِ الحجابِ فنزلتْ وإنَّما لم يُذكر العمُّ والخالُ لأنَّهما بمنزلةِ الوالدينِ ولذلك سُمِّي العمُّ أباً في قولِه تعالى: { { وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } [سورة البقرة: الآية 133] أو لأنَّه اكتُفي عن ذكرِهما بذكرِ أبناءِ الإخوةِ وأبناءِ الأخواتِ، فإنَّ مناطَ عدمِ لزومِ الاحتجابِ بـينهنَّ وبـينَ الفريقينِ عينُ ما بـينهنَّ وبـينَ العمِّ والخالِ من العمومةِ والخؤولةِ لما أنهنَّ عمَّاتٌ لأبناءِ الإخوةِ وخالاتٌ لأبناءِ الأخوات، وقيل: لأنَّه كره تركَ الاحتجابِ منُهما مخافةَ أنْ يصِفاهنَّ لأبنائِهما { وَلاَ نِسَائِهِنَّ } أي نساءِ المُؤمناتِ { وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } من العبـيدِ والإماءِ، وقيلَ: من الإماءِ خاصَّة وقد مرَّ في سورةِ النُّورِ { وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ } في كلِّ ما تأُتنّ وما تذرْنَ لا سيَّما فيما أُمرتُنَّ بهِ ونُهيتنَّ عنْهُ { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيداً } لا تَخفى عليهِ خافيةٌ ولا تتفاوتُ في علمهِ الأحوالُ. { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ } وقُرىء وملائكتُه بالرَّفعِ عطفاً على محلِّ إنَّ واسمِها عند الكوفيـينَ وحملاً على حذفِ الخبرِ ثقةً بدلالةِ ما بعدَه عليهِ على رَأي البصريـينَ. { يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ } قيل: الصَّلاةُ من الله تعالى الرَّحمةُ ومن الملائكةِ الاستغفارُ. وقالَ ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنُهمَا: أرادَ أنَّ الله يرحمُه والملائكةَ يدعُون له. وعنْهُ أيضاً يصلُّون يبرِّكُون. وقالَ أبوُ العاليةِ: صلاةُ الله تعالى عليهِ ثناؤُه عليهِ عندَ الملائكةِ وصلاتُهم دعاؤُهم له فينبغي أنْ يُرادَ بها في يصلُّون معنى مجازيٌّ عامٌّ يكونُ كلُّ واحدٍ من المَعَاني المذكورةِ فَرْداً حقيقياً له أي يعتنون بما فيهِ خيرُه وصلاحُ أمرهِ ويهتمُّون بإظهارِ شرفِه وتعظيمِ شأنِه، وذلكَ منَ الله سبحانَهُ بالرَّحمةِ ومن الملائكةِ بالدُّعاءِ والاستغفارِ.

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } اعتنُوا أنتُم أيضاً بذلكَ فإنَّكُم أولى بهِ. { وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } قائلينَ اللهمُّ صلِّ على محمدٍ وسلِّم أو نحوَ ذلكَ، وقيلَ: المرادُ بالتسليمِ انقيادُ أمرهِ. والآيةُ دليلٌ على وجوبِ الصَّلاةِ والسَّلامِ عليهِ مُطلقاً من غيرِ تعرضٍ لوجوبِ التَّكرارِ وعدمِه، وقيل: يجبُ ذلكَ كلَّما جَرى ذكرُه لقولِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "رغمَ أنفُ رجلٍ ذُكرتُ عندَهُ فلمْ يصلِّ عليَّ" وقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَن ذُكرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ فدخلَ النَّارَ فأبعدَهُ الله" . ويُروى أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: "وكَّل الله تعالى بـي ملكينِ فلا أُذكر عندَ مسلمٍ فيصلِّي عليَّ إلاَّ قالَ ذانِك الملكانِ: غفرَ الله لكَ، وقالَ الله تعالى وملائكتُه جواباً لذينكَ الملكينِ: آمينَ، ولا أُذكر عندَ مسلمٍ فلا يصلِّي عليَّ إلاَّ قال ذلكَ الملكانِ: لا غفرَ الله لكَ، وقالَ الله تعالى وملائكتُه جواباً لذينكَ الملكينِ آمينَ" . ومنُهم مَن قالَ يجبُ في كلِّ مجلسٍ مرَّةً وإنْ تكررَ ذكُره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كما قِيل في آيةٍ السَّجدةِ وتشميتِ العاطسِ وكذلك في كلِّ دعاءٍ في أوَّلهِ وآخرِه. ومنهُم مَن قال بالوجوبِ في العُمر مرَّةً وكذا قالَ في إظهارِ الشَّهادتينِ، والذي يقتضيهِ الاحتياطُ ويتسدعيهِ معرفةُ عُلوِّ شأنِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يُصلَّى عليهِ كلَّما جَرَى ذكُره الرَّفيعُ. وأمَّا الصَّلاةُ عليهِ في الصَّلاةُ بأن يُقالَ: (اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنَّك حميدٌ مجيدٌ) فليستْ بشرطٍ في جوازِ الصَّلاةِ عندَنا. وعن إبراهيمَ النَّخعيَّ رحمَهُ الله أنَّ الصَّحابةَ كانُوا يكتفُون عن ذلكَ بما في التَّشهدِ وهو السَّلامُ عليكَ أيُّها النبـيُّ. وأمَّا الشَّافعيُّ رحَمهُ الله فقد جعلَها شرطاً، وأمَّا الصَّلاةُ على غيرِ الأنبـياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ فتجوزُ تبعاً وتُكره استقلالاً لأنَّه في العُرفِ شعارُ ذكرِ الرُّسلِ ولذلكَ كُره أنْ يُقالَ محمدٌ عزَّ وجلَّ مع كونِه عزيزاً جليلاً.