التفاسير

< >
عرض

ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً
٧
-الأحزاب

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

.

{ ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي في كلِّ أمرٍ من أمورِ الدِّينِ والدُّنيا كما يشهدُ به الإطلاقُ فيجبُ عليهم أنْ يكونَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أحبَّ إليهم من أنفسِهم وحكمُه أنفذَ عليهم من حكمِها وحقُّه آثرَ لديهم من حقوقِها وشفقتُهم عليه أقدمَ من شفقتِهم عليها. رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أراد غزوةَ تبوكَ فأمرَ الناس بالخُروجِ فقال أنسٌ نستأذنُ آباءَنا وأُمَّهاتِنا فنزلتْ. وقُرىء وهو أبٌ لهم أي في الدِّينِ فإنَّ كلَّ نبـيَ أبٌ لأمَتهِ من حيثُ إنَّه أصلٌ فيما به الحياة الأبدية ولذلك صار المؤمنون إخوةً { وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ } أي منزلات منزلَة الأمَّهاتِ في التَّحريمِ واستحقاقِ التَّعظيمِ، وأما فيما عَدا ذلك فهنَّ كالأجنبـياتِ، ولذلك قالتْ عائشةُ رضي الله عنها: لسنا أُمَّهاتِ النِّساءِ { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ } أي ذُوو القراباتِ { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } في التَّوارث وهو نسخٌ لما كان في صدرِ الإسلامِ من التَّوراث بالهجرةِ والمُوالاة في الدِّينِ { فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } في اللَّوح أو فيما أنزلَه وهو هذه الآيةُ أو آيةُ المواريثِ أو فيما فرضَ الله تعالى { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ } بـيانٌ لأولي الأرحامِ أو صلةٌ لأُولي أو أولُو الأرحامِ بحقِّ القرابةِ أَولى بالميراثِ من المؤمنينَ بحقِّ الدِّينِ ومن المهاجرينَ بحقِّ الهجرةِ { إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً } استئناءٌ من أعمِّ ما تُقدَّرُ الأولويَّةُ فيهِ من النَّفعِ. والمرادُ بفعلِ المعروفِ التَّوصيةُ أو منقطع { كَانَ ذٰلِك فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًا } أي كان ما ذُكر من الآيتينِ ثابتاً في اللَّوحِ أو القُرآنِ. وقيل في التَّوراةِ. { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ } أي اذكُر وقتَ أخذنا من النبـيـينَ كافَّةَ عهودِهم بتبليغِ الرِّسالةِ والدُّعاءِ إلى الدِّينِ الحقِّ { وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } وتخصيصُهم بالذِّكرِ مع اندراجِهم في النبـيِّـينَ اندراجاً بـيناً للإيذانِ بمزيدِ مزيَّتِهم وفضلِهم وكونِهم من مشاهيرِ أربابِ الشَّرائعِ وأساطينِ أولي العزمِ من الرُّسلِ. وتقديمُ نبـيِّنا عليهم الصَّلاة والسَّلام لإبانةِ خطرهِ الجليلِ { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَـٰقاً غَلِيظاً } أي عهداً عظيمَ الشَّأنِ أو مُؤكَّداً باليمينِ، وهذا هو الميثاقُ الأولُ بعينِه وأخذُه هو أخذُه. والعطفُ مبنيٌّ على تنزيلِ التغايرِ العنوانيِّ منزلَة التغايرِ الذَّاتيِّ تفخيماً لشأنِه كما في قوله تعالى: { { وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [سورة هود: الآية 58] إثرَ قولِه تعالى: { { وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا

[سورة هود: الآية 58].