التفاسير

< >
عرض

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ
٣٠
وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ
٣١
ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
٣٢
-فاطر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى: { لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } متعلقٌ بلَنْ تبورَ على معنى أنَّه ينتفي عنها الكسادُ وتنفُق عند الله تعالى ليوفيَهم أجورَ أعمالِهم { وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } على ذلك من خزائنِ رحمتِه ما يشاءُ وقيل: بمضمرٍ دلَّ عليه ما عُدَّ من أفعالهم المرضيَّةِ أي فعلُوا ذلك ليوفيَهم إلخ وقيل بـيرجُون على أنَّ اللام للعاقبةِ { إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } تعليلٌ لما قبلَه من التَّوفيةِ والزِّيادةِ أي غفورٌ لفرطاتِهم شكورٌ لطاعاتِهم أي مجازيهم عليها، وقيل: هُو خبرُ إنَّ الذينَ ويرجُون حالٌ من واوِ أنفقُوا.

{ وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } وهو القرآنُ ومِن للتَّبـيـين أو الجنسِ ومن للتَّبعيضِ وقيل: اللَّوحَ ومِن للابتداءِ { هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي أحقه مصدِّقاً لما تقدَّمه من الكتبِ السَّماويةِ حالٌ مؤكِّدة، لأنَّ حقِّيتَه تستلزمُ موافقتَه إيَّاهُ في العقائدِ وأصولِ الأحكامِ { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } محيطٌ ببواطنِ أمورِهم وظواهرِها فلو كانَ في أحوالِك ما ينافي النُّبوة لم يُوحِ إليك مثلُ هذا الحقَّ المعجزِ الذي هو عيارٌ على سائرِ الكتبِ. وتقديمُ الخبـيرِ للتَّنبـيه على أنَّ العمدةَ هي الأمورُ الرُّوحانيَّةُ { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } أي قضينا بتوريثةِ منك أو نورِّثه. والتَّعبـيرُ عنه بالماضِي لتقرره وتحققه وقيل: أورثناهُ من الأممِ السَّالفةِ أي أخَّرناه عنهم وأعطيناهُ { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وهم علماءُ الأمةِ من الصَّحابةِ ومن بعدهم ممَّن يسيرُ سيرتَهم أو الأمة بأسرِهم فإنَّ الله تَعال اصطفاهم على سائرِ الأممِ وجعلهم أمةً وسطاً ليكونُوا شهداءَ على النَّاسِ واختصَّهم بكرامةِ الانتماءِ إلى أفضلِ رسلِه عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وليس من ضرورةِ وراثةِ الكتابِ مراعاتُه حقَّ رعايتِه لقوله تعالى: { { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } [سورة الأعراف: الآية 169] الآيةَ { فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ } بالتَّقصيرِ في العلمِ به وهو المرجأُ لأمرِ الله { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } يعملُ به في أغلبِ الأوقاتِ ولا يخلُو من خلط السَّيءِ { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } قيل هم السّابقونَ الأوَّلُون من المهاجرينَ والأنصارِ وقيل: هم المُداومون على إقامةِ مواجبهِ علماً وعملاً وتعليماً وفي قوله تعالى بإذنِ الله أي بتيسيره وتوفيقِه تنبـيةٌ على عزَّةِ منالِ هذه الرُّتيةِ وصعوبةِ مأخذِها وقيل: الظَّالمُ الجاهلُ والمقتصدُ المتعلِّم والسَّابقُ العالمُ وقيل الظالمُ المجرمُ والمقتصدُ الذي خلطَ الصَّالحَ بالسَّيءِ والسَّابقُ الذي ترَّجحتْ حسناته بحيثُ صارتْ سيِّئاتُه مكفَّرةً. وهو معنى قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سَبَقُواْ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَأَمَّا المقتصد فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون فى طول المحشر ثم يتلقاهم الله تعالى برحمته" وقد رُوي أنَّ عمرَ رضي الله عنه قال وهو على المنبرِ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سابقُنا سابقٌ ومقتصدُنا ناجٍ وظالمُنا مغفورٌ له" { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى السَّبقِ بالخيراتِ وما فيه من معنى البُعدِ مع قُربِ العهد بالمشارِ إليه للإشعارِ بعلوِّ رتبتِه وبُعد منزلتِه في الشَّرفِ { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } من الله عزَّ وجلَّ لا يُنال إلا بتوفيقِه تعالى