{ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } استئنافٌ مسوقٌ لبـيانِ غايةِ قُبحِ الشِّركِ وهو له أنْ يمسكهما كراهةَ زوالِهما أو يمنعهما أنْ تزولا لأنَّ الإمساك منع { وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا } أي مَا أمسكهما { مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ } من بعدِ إمساكِه تعالى أو من بعدِ الزَّوالِ. والجملةُ سادَّةٌ مسدَّ الجوابـينِ ومِن الأوُلى مزيدةٌ لتأكيدِ العُمومِ والثَّانيةُ للابتداءِ { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } غيرَ معاجلٍ بالعقوبةِ التي تستوجبُها جناياتُهم حيثُ أمسكَهما وكانتا جديرتينِ بأنْ تهدّا هداً حسبما قال تعالى:
{ { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ } [سورة مريم: الآية 90] وقُرىء ولو زَالَتا. { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } بلغ قُريشاً قبل مبعثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أهلَ الكتابِ كذَّبوا رسلَهم فقالُوا لعنَ الله اليَّهودَ والنَّصارَى أتتُهم الرُّسلُ فكذَّبُوهم فوالله لئن أتانا رسولٌ لنكونَّن أهدى من إِحدى الأممِ اليَّهودِ والنَّصارَى وغيرِهم أو من الأمَّةِ التي يُقال لها إِحدى الأممِ تفضيلاً لها على غيرِها في الهُدَى والاستقامةِ. { فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ } وأيُّ نذير أشرفُ الرُّسُلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ { مَّا زَادَهُمْ } أي النَّذيرُ أو مجيئةُ { إِلاَّ نُفُورًا } تُباعداً عن الحقِّ { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ } بدلٌ من نُفوراً أي مفعولٌ له { وَمَكْرَ ٱلسَّيّىء } أصلُه وإنْ مكرُوا السَّيءَ أيَّ المكرَ السَّىءَ ثم ومكراً السَّيءَ ثم ومكرَ السيء وقرىء بسكونِ الهمزةِ في الوصلِ ولعلَّه اختلاسٌ ظُنَّ سُكوتاً أو وقفةٌ خفيفةٌ وقرىء مكراً سيِّئاً { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ } أي ما ينتظرونَ { إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ } أي سُنَّة الله فيهم بتعذيبِ مكذِّبـيهم { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } بأنْ يضع موضعَ العذابِ غيرَ العذابِ{ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } بأنْ ينقله من المكذِّبـين إلى غيرِهم. والفاءُ لتعليلِ ما يُفيدُه الحكمُ بانتظارِهم العذابَ من مجيئهِ ونفيُ وجدانِ التَّبديلِ والتَّحويلِ عبارةٌ عن نفيِ وجودِها بالطَّريقِ البُرهانِّي وتخصيصُ كلَ منُهما بنفيٍ مستقلَ لتأكيدِ انتفائِهما.
{ أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } استشهاد على ما قبلَه من جريانِ سُنَّتِه تعالى على تعذيبِ المُكذِّبـينَ بما يشاهدوَنُه في مسايرِهم إلى الشَّامِ واليمنِ والعراقِ من آثار دمار الأممِ الماضيةِ العاتيةِ والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ. والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ يليقُ بالمقامِ أي أقعدُوا في مساكنِهم ولم يسيرُوا في الأرضِ فينظُروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلِهم { وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } وأطولَ أعماراً فما نفعُهم طولُ المَدَى وما أغنَى عنهم شدَّةُ القُوى. ومحلُّ الجملةِ النَّصبُ على الحاليَّةِ. وقولُه تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَىْء } أي ليسبقَه وبفوتَه { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } اعتراضٌ مقررٌ لما يُفهم مَّما قبله من استئصالِ الأممِ السَّالفةِ. وقولُه تعالىَ { إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } أي مُبالغاً في العلمِ والقُدرةِ ولذلك علمَ بجميعِ أعمالِهم السَّيئةِ فعاقبَهم بموجبِها تعليل لذلك.