التفاسير

< >
عرض

وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ
٣٩
لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
٤٠
وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ
٤١
-يس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ } بالنَّصبِ بإضمار فعلٍ يفسِّره الظَّاهرُ. وقُرىء بالرَّفعِ على الابتداءِ أي قدَّرنا له { مَنَازِلَ } وقيل: قدرنا مسيرَه منازلَ وقيل: قدرنَاهُ ذا منازلَ وهي ثمانيةٌ وعشرون السرطانِ, البَطينُ, الثُّريَّا, الدَّبرانِ, الهقعة, الهَنْعَةُ, الذِّراعُ, النَّثرةُ, الطِّرفُ, الجَبهةُ, الزَّبرةُ, الصِّرفةُ, العَوَا, السِّماكُ, الغفر, الزباني, الإكليلُ, القَلبُ, الشَّولةُ, النَّعائمُ, البلدةُ, سعدُ الذَّابحُ, سعدُ بَلْع, سَعدُ السُّعود, سَعدُ الأخبـيةِ, فرغ الدَّلو المقدَّم, فرغ الدَّلوِ المؤخرَّ, الرَّشا, وهو بطنُ الحوتِ ينزل كلَّ ليلةٍ في واحدٍ منها لا يتخطَّاها ولا يتقاصرُ عنها فإذا كان في آخرِ منازلِه وهو الذي يكون قبـيلَ الاجتماع دقَّ واستقوسَ { حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ } كالشِّمراخِ المُعوجِ فعلون من الانعراجِ وهو الاعوجاجُ وقُرىء كالعَرجونَ وهما لغتانِ كالبُزيَون والبِزيونِ. { ٱلْقَدِيمِ } العَتيقِ وقيل: وهو ما مرَّ عليه حولٌ فصاعداً { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا } أي يصحُّ ويتسهَّلُ { أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } في سرعةِ السَّيرِ فإنَّ ذلكَ يخلُّ بتكون النَّباتِ وتعيُّشِ الحيوانِ أو في الآثارِ والمنافعِ أو في المكانِ بأن تنزلَ في منزلِه أو في سلطانه فتطمس نورَه. وإيلاءُ حرفِ النَّفي الشَّمسَ للدِّلالةِ على أنَّها مسخَّرةٌ لا بتيسر لها إلا ما قُدرِّ لها { وَلاَ ٱلليْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } أي يسبقُه فيفوتُه ولكنْ يعاقُبه وقيل: المرادُ بهما آيتاهُما النيِّرانِ وبالسبقِ سبقُ القمرِ إلى سُلطانِ الشَّمسِ فيكون عكساً للأوَّلِ، وإيراد السَّبقِ كان الإدراك لأنَّه الملائمُ لسرعةِ سيرهِ { وَكُلٌّ } أي وكلُّهم على أنَّ التَّنوينَ عوضٌ عن المضافِ إليه الذي هو الضَّميرُ العائدُ إلى الشَّمسِ والقمرِ. والجمعُ باعتبارِ التَّكاثرِ العارضِ لهما بتكاثرِ مطالعهما فإنَّ اختلافَ الأحوالِ يُوجب تَعدداً ما في الذَّاتِ أو إلى الكواكبِ فإنَّ ذكرَهما مشعرٌ بها { فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يسيرُون بانبساطٍ وسهولةٍ.

{ وَءايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ } أولادَهم الذين يبعثُونهم إلى تجاراتِهم أو صبـيانَهم ونساءَهم الذين يستصحبونهم، فإنَّ الذُّريةَ تطلقُ عليهن لا سيَّما مع الاختلاطِ، وتخصيصُهم بالذِّكرِ لما أنَّ استقرارَهم في السُّفنِ أشقُّ واستمساكهم فيها أبدعُ { فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } أي المملوءِ وقيل: هو فُلك نوحٍ عليه السَّلامُ وحملُ ذريَّاتِهم فيها حملُ آبائِهم الأقدمين وفي أصلابِهم هؤلاء وذرياتُهم، وتخصيصُ أعقابِهم بالذَّكرِ دُونَهم لأنه أبلغَ في الامتنانِ وأدخلُ في التَّعجيبِ الذي عليه يدورُ كونُه آيةً.