التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١١٠
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
١١١
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
١١٢
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ
١١٣
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
١١٤
وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
١١٥
وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ
١١٦
-الصافات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } ذلك إشارةٌ إلى إبقاءِ ذكره الجميل فيما بـين الأممِ لا إلى ما أُشير إليه فيما سبق فلا تكرارَ. وعدم تصديرِ الجملةِ بإنا للاكتفاءِ بما مرَّ آنِفاً { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } الراسخين في الإيمان على وجهة الإيقان والاطمئنان.

{ وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيّاً مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي مقضيًّا بنبُّوتهِ مقدَّراً كونه من الصَّالحينَ وبهذا الاعتبار وقَعا حالينِ ولا حاجةَ إلى وجود المبشَّر به وقت البشارةِ فإنَّ وجود ذي الحالِ ليس بشرطٍ وإنَّما الشَّرطُ مقارنةُ تعلُّق الفعل به لاعتبارِ معنى الحالِ فلا حاجة إلى تقدير مضافٍ يجعل عاملاً فيهما مثل وبشَّرناهُ بوجودِ إسحاقَ بأنْ يُوجدَ إسحاقَ نبـيًّا من الصَّالحين، ومع ذلكَ لا يصيرُ نظيرَ قوله تعالى: { { فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ } [سورة الزمر: الآية 73] فإنَّ الدَّاخلين كانوا مقدِّرين خلودهم وقت الدُّخولِ وإسحاقُ عليه السَّلامُ لم يكن مقدِّراً نبُّوة نفسه وصلاحَها حين ما يُوجد، ومن فسَّر الغلامَ بإسحاقَ جعل المقصودَ من البشارةِ نبوُّته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وفي ذكر الصَّلاحِ بعد تعظيمٍ لشأنهِ وإيماءً إلى أنَّه الغايةُ لها لتضمُّنِها معنى الكمالِ والتَّكميلِ بالفعلِ على الإطلاقِ.

{ وَبَـٰرَكْنَا عَلَيْهِ } على إبراهيمَ في أولادِه { وَعَلَىٰ إِسْحَـٰقَ } بأنْ أخرجنا من صلبهِ أنبـياءَ بني إسرائيلَ وغيرَهم كأيُّوبَ وشُعيبَ عليهم السَّلامُ أو أفضْنا عليهما بركاتِ الدِّينِ والدُّنيا. وقُرىء وبرَّكنا. { وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ } في عملهِ أو لنفسِه بالإيمانِ والطَّاعةِ { وَظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ } بالكفر والمَعَاصي { مُّبِينٌ } ظاهرٌ ظلمُه وفيه تنبـيهٌ على أنَّ النَّسبَ لا تأثيرَ له في الهدايةِ والضَّلالِ وأنَّ الظُّلمَ في أعقابهما لا يعودُ عليهما بنقيصةٍ ولا عيبٍ { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } أي أنعمنا عليهما بالنبوَّة وغيرِها من النِّعم الدِّينيةِ والدُّنيويةِ { وَنَجَّيْنَـٰهُمَا وَقَوْمَهُمَا } وهم بنُو إسرائيلَ { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } هو مَلَكةُ آل فرعونَ وتسلطهم عليهم بألوان الغَشَمِ والعذاب كما في قوله تعالى: { { وَإِذْ أَنْجَيْنَـٰكُمْ مّنْ ءالِ فِرْعَونَ } [سورة الأعراف: الآية 141] وقيل هو الغَرَقُ وهو بعيد لأنَّه لم يكن عليهم كَرباً ومشقةً.

{ وَنَصَرْنَـٰهُمْ } أي إيَّاهما وقومَهما على عدوِّهم { فَكَانُواْ } بسبب ذلك { هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ } عليهم غلبةً لا غايةَ وراءها بعد أنْ كان قومُهما في أسرِهم وقَسْرِهم مقهورين تحت أيديهم العادية يسومُونهم سوء العذاب. وهذه التَّنجيةُ وإن كانتْ بحسب الوجودِ مقارنةً لما ذُكر من النَّصرِ والغَلَبة لكنَّها لما كانتْ بحسب المفهومِ عبارة عن التَّخليصِ من المكروهِ بُدىء بها ثمَّ بالنَّصر الذي يتحقَّقُ مدلُوله بمحضِ تنجيةِ المنصورِ من عدوِّه من غير تغليبهِ عليه ثم بالغلبةِ لتوفيةِ مقام الامتنانِ حقَّه بإظهار أنَّ كلَّ مرتبةٍ من هذه المراتبِ الثَّلاثِ نعمةٌ جليلةٌ على حيالها.