التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ
١١
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
١٢
وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ
١٣
وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
١٤
وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٥
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
١٦
-الصافات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَٱسْتَفْتِهِمْ } فاستخبر مُشركي مكَّة { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أي أقوى خِلقةً وأمتنُ بنيةً أو أصعبُ خَلْقاً وأشقُّ إيجاداً { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } من الملائكةِ والسَّماءِ والأرضِ وما بـينهما. والمشارقُ والكواكبُ والشُّهبُ الثَّواقبُ ومن لتغليبِ العُقلاءِ على غيرِهم ويدلُّ عليه إطلاقُه. ومجيئُه بعد ذلك لا سيَّما قراءةُ مَن قرأ أمْ مَن عددنا. وقولُه تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } فإنَّه الفارقُ بـينهم وبـينها لا بـينهم وبـين من قبلهم من الأممِ كعادٍ وثمود، ولأنَّ المرادَ إثباتُ المعادِ وردُّ استحالتهم. والأمرُ فيه بالإضافةِ إليهم وإلى مَن قبلهم سواء. وقُرىء لازمٍ ولاتبٍ { بَلْ عَجِبْتَ } أي من قُدرة الله تعالى على هذه الخلائقِ العظيمة وإنكارِهم للبعث { وَيَسْخُرُونَ } من تعجُّبكَ وتقريرك للبعث. وقُرىء بضمِّ التَّاءِ، على معنى أنَّه بلغ كمالُ قدرتي وكثرةُ مخلوقاتي إليَّ حيث عجبتُ منها، وهؤلاءِ لجهلهم يسخرونَ منها. أو عجبتُ من أنْ ينكرُوا البعثَ ممَّن هذه أفاعيلُه ويسخرُوا ممَّن يجوزُه. والعجبُ من اللَّهِ تعالى إمَّا على الفرضِ والتَّخيـيلِ، أو على معنى الاستعظامِ اللاَّزمِ له فإنَّه رَوعةٌ تعتري الإنسانَ عند استعظامِ الشَّيءِ. وقيل إنَّه مقدَّرٌ بالقولِ أي قُل يا محمدُ بل عجبتُ { وَإِذَا ذُكّرُواْ } أي ودأبُهم المستمرُّ أنَّهم إذا وُعظوا بشيءٍ من المواعظِ. { لاَ يَذْكُرُونَ } لا يتَّعظون، وإذَا ذُكر لهم ما يدلُّ على صحَّةِ البعثِ لا ينتفعُون به لغايةِ بلادتهم وقصورِ فكرهم { وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً } أي معجزةً تدلُّ على صدقِ القائلِ به { يَسْتَسْخِرُونَ } يُبالغون في السُّخريةِ، ويقُولون إنَّه سحرٌ أو يستدعي بعضُهم من بعضٍ أنْ يسخرَ منها { وَقَالُواْ إِن هَـٰذَا } أي ما يَرونه من الآياتِ الباهرةِ { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ظاهرٌ سحريَّتهُ { أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً } أي كان بعضُ أجزائِنا تُراباً وبعضُها عظاماً. وتقديمُ التُّرابِ لأنَّه منقلبٌ من الأجزاءِ الباديةِ. والعاملُ في إذا ما دلَّ عليه مبعوثونَ في قوله تعالى: { أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ } أي نُبعث لا نفسه لأنَّ دونَه خطوباً لو تفرَّدَ واحدٌ منها لكفى في المنعِ. وتقديمُ الظَّرفِ لتقويةِ الإنكارِ للبعث بتوجيههِ إلى حالةٍ منافيةٍ له غايةَ المُنافاة وكذا تكريرُ الهمزةِ في أئنا للمبالغةِ والتَّشديدِ في ذلك وكذا تحليةُ الجملةِ بأنْ واللاَّمِ لتأكيدِ الإنكارِ لا لإنكارِ التَّأكيدِ كما يُوهمه ظاهرُ النَّظمِ الكريمِ فإنَّ تقديمَ الهمزةِ لاقتضائها الصَّدارة كما في مثلِ قوله تعالى: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [سورة البقرة: الآية 44 و 76. وسورة آل عمران: الآية 65 وغيرهما] على رأي الجمهورِ، فإنَّ المعنى عندَهُم تعقيبُ الإنكارِ لا إنكارُ التَّعقيبِ كما هُو المشهورُ. وقُرىء بطرحِ الهمزةِ الأُولى وبطرحِ الثَّانيةِ فَقَطْ.