التفاسير

< >
عرض

وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا
١
فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً
٢
فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً
٣
-الصافات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

(سورة الصافات مكية وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية)

{ بِسْمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيم } { وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ صَفَّا } إقسامٌ من اللَّهِ عزَّ وجلَّ بطوائِفَ الملائكةِ الفاعلاتِ للصُّفوفِ على أنَّ المرادَ إيقاعُ نفسِ الفعلِ من غيرِ قصدٍ إلى المفعولِ أو الصَّافَّاتُ أنفسُها أي النَّاظمات أنفسَها أي النَّاظمات لها في سلك الصُّفوفِ بقيامها في مقاماتِها المعلومةِ حسبما ينطقُ به قولُه تعالى: { { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [سورة الصافات: الآية 164] وعلى هذينِ المعنيـينِ مدارُ قوله تعالى: { { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّافُّونَ } [سورة الصافات: الآية 165] وقيل الصَّافاتُ أقدامها في الصَّلاةِ وقيل أجنحتها في الهواءِ { فَٱلزجِرٰتِ زَجْراً } أي الفاعلاتِ للزَّجرِ أو الزَّاجراتِ لما نيطَ بها زَجرُه من الأجرامِ العلويَّةِ والسُّفليَّةِ وغيرِها على وجهٍ يليقُ بالمزجورِ. ومن جُملة ذلك زجرُ العبادِ عن المعاصي وزجرُ الشَّياطينِ عن الوسوسةِ والإغواءِ وعن استراقِ السَّمعِ كما سيأتي، وصفًّا وزَجْراً مصدرانِ مؤكِّدانِ لما قبلهما أي صفًّا بديعاً وزَجْراً بليغاً، وأمَّا ذِكراً في قولهِ تعالى: { فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ ذِكْراً } فمفعولُ التَّالياتِ ذكراً عظيمَ الشَّأنِ من آياتِ اللَّهِ تعالى وكتبهِ المنزَّلةِ على الأنبـياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وغيرِها من التَّسبـيحِ والتَّقديسِ والتَّحميدِ والتَّمجيدِ وقيل هو أيضاً مصدرٌ مؤكِّد لما قبلَه فإنَّ التِّلاوةَ من بابِ الذِّكرِ ثم إنَّ هذه الصِّفاتِ إنْ أُجريتْ على الكلِّ فعطفُها بالفاءِ للدِّلالةِ على ترتُّبها في الفضلِ إمَّا بكونِ الفضلِ للصَّفِ ثمَّ للزَّجرِ ثمَّ للتِّلاوةِ أو على العكسِ، وإن أُجريت كلُّ واحدة منهنَّ على طوائفَ معيَّنةٍ فهو للدِّلالةِ على ترتُّبِ الموصوفاتِ في مراتب الفضل بمعنى أنَّ طوائفَ الصَّافَّاتِ ذواتُ فضل والزَّاجراتُ أفضلُ والتَّالياتُ أبهرُ فضلاً أو على العكس. وقيل المرادُ بالمذكوراتِ نفوسُ العلماءِ العمَّالِ الصَّافَّاتُ أنفسَها في صفوف الجماعاتِ وأقدامها في الصَّلواتِ الزَّاجراتُ بالمواعظ والنَّصائحِ التَّالياتُ آياتِ الله تعالى الدَّارساتُ شرائعه وأحكامَه. وقيل طوائفُ الغُزاة الصَّافَّات أنفسَهم في مواطنِ الحروبِ كأنَّهم بنيانٌ مرصوصٌ. أو طوائفُ قُوَّادِهم الصَّافَّاتُ لهم فيها الزَّاجراتُ الخيلَ للجهادِ سوقاً والعدوَّ في المعارك طَرْداً التَّالياتُ آياتِ اللَّهِ تعالى وذكره وتسبـيحَه في تضاعيفِ ذلك. والكلامُ في العطفِ ودلالتهِ على ترتُّبِ الصِّفاتِ في الفضلِ أو ترتُّب موصوفاتِها فيه كالذي سلفَ، وأمَّا الدِّلالةُ على التَّرتُّبِ في الوجودِ كما في قوله: [السريع]

يا لهفَ زبَّانةَ للحٰرثِ الصابحِ فالغانمِ فالآيبِ

فغيرُ ظاهرةٍ في شيءٍ من الطَّوائفِ المذكورة، فإنَّه لو سُلِّم تقدُّمُ الصَّفِ على الزَّجرِ في الملائكةِ والغزاةِ فتأخُّرُ التِّلاوةِ عن الزَّجرِ غيرُ ظاهرٍ. وقيل الصَّافَّاتُ الطَّيرُ من قوله تعالى: { { وَٱلطَّيْرُ صَافَّـٰتٍ } [سورة النور: الآية 41] والزَّاجراتُ كلُّ ما يزجرُ عن المعاصِي، والتّاليات كُّل مَن يتلُو كتابَ اللَّهِ تعالى. وقيل الزَّاجراتُ القوارعُ القُرآنيةُ. وقُرىء بإدغامِ التَّاءِ في الصَّادِ والزاي والذَّالِ.