التفاسير

< >
عرض

إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٧
وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ
٨
-الزمر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِن تَكْفُرُواْ } به تعالى بعد مشاهدةِ ما ذُكر من فنونِ نعمائِه ومعرفةِ شؤونِه العظيمةِ الموجبةِ للإيمانِ والشُّكرِ { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ } أي فاعلمُوا أنَّه تعالى غنيٌّ عن إيمانِكم وشكركم غيرُ متأثِّرٍ من انتفائهما { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } أي عدمُ رضاه بكفر عباده لأجل منفعتِهم ودفعِ مضرَّتِهم رحمةً عليهم لا لتضرُّرهِ تعالى به { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } أي يرض الشُّكرَ لأجلكم ومنفعتكم لأنَّه سببٌ لفوزكم بسعادة الدَّارينِ لا لانتفاعه تعالى به وإنَّما قيل لعباده لا لكُم لتعميم الحكمِ وتعليله بكونهم عبادَه تعالى. وقُرىء بإسكانِ الهاءِ { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } بـيانٌ لعدم سرايةِ كفر الكافر إلى غيرِه أصلاً أي لا تحملُ نفسٌ حاملة للوزر حملَ نفسٍ أخرى { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } بالبعث بعد الموت { فَيُنَبّئُكُمْ } عند ذلك { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي كنتُم تعملونَه في الدُّنيا من أعمال الكفر والإيمانِ أي يُجازيكم بذلك ثواباً وعقاباً. { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي بمضمرات القلوبِ فكيف بالأعمال الظَّاهرةِ وهو تعليل للتَّنبـيه.

{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ } من مرضٍ وغيره { دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } راجعاً إليه ممَّا كان يدعُوه في حالة الرَّخاءِ لعمله بأنَّه بمعزلٍ من القُدرة على كشف ضُرِّه، وهذا وصف للجنس بحالِ بعضِ أفرادِه كقوله تعالى: { { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [سورة إبراهيم: الآية 34]. { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مّنْهُ } أي أعطاهُ نعمةً عظيمةً من لدنه تعالى من التَّخولِ وهو التَّعهدُ أي جعله خائلَ مالٍ من قولهم فلانٌ خائلُ مال إذا كان مُتعهِّداً له حسنَ القيامِ به أو من الخَولِ وهو الافتخارُ أي جعله يخُولُ أي يختالُ ويفتخرُ { نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ } أي نسيَ الضُّرَّ الذي كان يدعُو الله تعالى فيما سبق إلى كشفِه { مِن قَبْلُ } أي من قبل التَّخويلِ أو نسي ربَّه الذي كان يدعُوه ويتضرَّعُ إليه، إمَّا بناء على أنَّ ما بمعنى مَن كما في قوله تعالى: { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [سورة الليل: الآية 3] وقوله تعالى: { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ } [سورة الكافرون: الآية 3] وإمَّا إيذاناً بأنَّ نسيانَهُ بلغ إلى حيثُ لا يعرف مدَّعوه ما هو فضلاً عن أنْ يعرفه من هو كما مرَّ في قوله تعالى: { { عَمَّا أَرْضَعَتْ } [سورة الحج: الآية 2] { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً } شركاءَ في العبادة { لِيُضِلَّ } النَّاس بذلك { عَن سَبِيلِهِ } الذي هو التَّوحيدُ وقُرىء ليَضلَّ بفتح الياء أي يزدادَ ضلالاً أو يثبتَ عليه وإلا فأصلُ الضَّلالِ غيرُ متأخِّرٍ عن الجعل المذكور. واللامُ لامُ العاقبة كما في قوله تعالى: { { فَٱلْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [سورة القصص: الآية 8] خلا أنَّ هذا أقربُ إلى الحقيقةِ لأنَّ الجاعلَ ههنا قاصدٌ بجعله المذكورِ حقيقةَ الإضلالِ والضَّلالِ وإنْ لم يعرف لجهله أنَّهما إضلالٌ وضلالٌ وأمَّا آلُ فرعونَ فهم غيرُ قاصدين بالتقاطِهم العداوةَ أصلاً. { قُلْ } تهديداً لذلك الضَّالَّ المُضلَّ وبـياناً لحالِه ومآلِه { تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } أي تمتُّعاً قليلاً أو زمَاناً قليلاً { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ } أي ملازميها والمعذَّبـين فيها على الدَّوامِ وهو تعليلٌ لقلَّة التَّمتعِ، وفيه من الإقناط من النَّجاةِ ما لا يخفى كأنَّه قيل: إذ قد أبـيتَ قبولَ ما أُمرتَ به من الإيمان والطَّاعةِ فمن حقَّك أنْ تُؤمرَ بتركه لتذوقَ عقوبتَه.