التفاسير

< >
عرض

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٩
-الزمر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ } الخ من تمام الكلامِ المأمورِ به وأم إما متصلة قد حُذف معادلُها ثقةً بدلالة مساقِ الكلام عليه كأنَّه قيل له تأكيداً للتَّهديد وتهكُّماً به: أأنت أحسنُ حالاً ومآلاٍ أمَّن هو قائمٌ بمواجب الطَّاعاتِ ودائم على أداءَ وظائف العبادات في ساعاتِ اللَّيل حالتَيْ السَّراءِ والضَّراءِ لا عند مساس الضُّرِّ فقط كدأبك حالَ كونِه { سَـٰجِداً وَقَائِماً } أي جامعاً بـين الوصفينِ المحمودينِ، وتقديمُ السُّجودِ على القيام لكونه أدخلَ في معنى العبادةِ. وقُرىء كلاهُما بالرَّفعِ على أنه خبرٌ بعد خبرٍ { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } حالٌ أُخرى على التَّرادفِ أو التَّداخلِ. أو استئنافً وقع جواباً عمَّا نشأ من حكاية حالِه من القنوتِ والسُّجود والقيامِ كأنَّه قيل ما بالُه يفعل ذلك فقيلَ يحذرُ عذابَ الآخرةِ { مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ } فينجُو بذلك مما يحذرُه ويفوزُ بما يرجُوه كما ينبىءُ عنه التَّعرضُ لعُنوانِ الرُّبوبَّـيةِ المنبئةِ عن التَّبليغِ إلى الكمالِ مع الإضافة إلى ضميرِ الرَّاجي لا أنَّه يحذرُ ضرَّ الدُّنيا ويرجُو خيرَها فقط، وإما منقطعةٌ وما فيها من الإضرابِ للانتقالِ من التَّهديدِ إلى التَّبكيتِ بتكليف الجواب الملجىءِ إلى الاعترافِ بما بـينهما من التَّباينِ البـيِّن كأنَّه قيل: بل أمن هو قانتٌ الخ أفضل أمَّن هو كافرٌ مثلك كما هو المعنى على قراءة التَّخفيفِ { قُلْ } بـياناً للحقِّ وتنبـيهاً على شرفِ العلمِ والعمل { هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ } حقائقَ الأحوالِ فيعملون بموجبِ علمهم كالقانتِ المذكورِ { وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي ما ذُكر أو شيئاً فيعملون بمقتضى جهلِهم وضلالِهم كدأبك والاستفهامُ للتَّنبـيه على أنَّ كون الأَوَّلينَ في أعلى معارج الخيرِ وكون الآخرينَ في أقصى مدارج الشَّرِّ من الظُّهورِ بحيث لا يكادُ يخفى على أحدٍ من منصفِ ومكابرٍ وقيل: هو واردٌ على سبيل التَّشيبهِ أي كما لا يستوي العالمونَ والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصُون. وقوله تعالى { إِنَّمَا يَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلأَلْبَـٰبِ } كلامٌ مستقلٌّ غير داخلٍ في الكلام المأمور به واردٌ من جهته تعالى بعد الأمر بما ذُكر من القوارعِ الزَّاجرةِ عن الكُفر والمعاصِي لبـيانِ عدمِ تأثيرِها في قلوبِ الكفرةِ لاختلال عقولهم كما في قَول مَنْ قال: [البسيط]

عُوجُوا فحيُّوا لنُعْمَى دِمْنَةَ الدَّارمَاذا تُحيُّونَ من نُؤْيٍ وَأَحْجَارِ

أي إنما يتَّعظُ بهذه البـيانات الواضحة أصحابُ العقولِ الخالصةِ عن شوائبِ الخللِ وهؤلاءِ بمعزلٍ من ذلك. وقُرىء إنَّما يذكَّر بالإدغام.