التفاسير

< >
عرض

وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً
١١٩
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
١٢٠
أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً
١٢١
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنّيَنَّهُمْ } الأمانيَّ الباطلةَ كطول الحياةِ وألاّ بعْثَ ولا عقابَ ونحوَ ذلك { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ ءاذَانَ ٱلأَنْعَـٰمِ } أي فلَيقْطَعُنَّها بموجب أمري ويشُقُّنّها من غير تلعثم في ذلك ولا تأخير وذلك ما كانت العربُ تفعله بالبحائر والسوائب { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ } ممتثلين به { خَلَقَ ٱللَّهُ } عن نهجه صورةً أو صفةً وينتظم فيه ما قيل من فقءِ عين الحامي وخِصاءِ العبـيدِ والوشمِ والوشْرِ ونحوِ ذلك، وعمومُ اللفظِ يمنع الخِصاءَ مطلقاً لكن الفقهاء رخّصوا في البهائم لمكان الحاجةِ وهذه الجملُ المحكيةُ عن اللعين مما نطق به لسانُه مقالاً أو حالاً وما فيها من اللامات كلَّها للقَسَم، والمأمورُ به في الموضعين محذوفٌ ثقةً بدلالة النظمِ عليه { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَـٰنَ وَلِيّاً مّن دُونِ ٱللَّهِ } بإيثار ما يدعو إليه على ما أمر الله تعالى به ومجاوزتِه عن طاعة الله تعالى إلى طاعته { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } لأن ضيَّع رأسَ مالِه بالكلية واستبدل بمكانه من الجنة مكانَه من النار { يَعِدُهُمْ } أي ما لا يكاد يُنجِزُه { وَيُمَنّيهِمْ } أي الأمانيَّ الفارغةَ أو يفعل لهم الوعدَ والتمنيةَ على طريقة فلان يُعطي ويمنَعُ والضميران لمن والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد في يتخذ وخسر باعتبار لفظها.

{ وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } وهو إظهارُ النفعِ فيما فيه الضررُ، وهذا الوعدُ إما بإلقاء الخواطرِ الفاسدةِ أو بألسنة أوليائِه، وغروراً إما مفعولٌ ثانٍ للوعد أو مفعولٌ لأجله أو نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي وعداً ذا غرورٍ أو مصدرٌ على غير لفظ المصدرِ لأنّ { يَعِدُهُمْ } في قوة يغرّهم بوعده، والجملةُ اعتراضٌ وعدمُ التعرّضِ للتمنية لأنها بابٌ من الوعد { أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى أولياء الشيطان، وما فيه من معنى البُعد للإشعار ببُعد منزلتِهم في الخُسران، وهو مبتدأٌ وقوله تعالى: { مَأْوَاهُمْ } مبتدأٌ ثانٍ وقولُه تعالى: { جَهَنَّمُ } خبرٌ للثاني والجملةُ من الثاني [وخبره] خبرٌ للأول { وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } أي معدِلاً ومهرَباً من حاص الحمارُ إذا عدَل، وقيل: خلَص ونجا، وقيل: الحَيْصُ هو الرَّوَغانُ بنفور، و{ عَنْهَا } متعلقٌ بمحذوف وقع حالاً من محيصاً أي كائناً عنها، ولا مَساغَ لتعلُّقه بمحيصاً، أما إذا كان اسمَ مكانٍ فظاهرٌ، وأما إذا كان مصدراً فلأنه لا يعمل فيما قبله.