التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
١٣٢
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً
١٣٣
مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً
١٣٤
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } كلامٌ مبتدأٌ مسوقٌ للمخاطبـين توطئةً لما بعده من الشرطية غيرُ داخلٍ تحت القول المحكيِّ أي له سبحانه ما فيهما من الخلائق خلقاً ومُلكاً يتصرف فيهم كيفما يشاء إيجاداً وإعداماً وإحياءً وإماتة.

{ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } في تدبـير أمورِ الكلِّ وكلِّ الأمور فلا بد من أن يُتوكلَ عليه لا على أحد سواه { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } أي يُفْنِكم ويستأصِلْكم بالمرة { وَيَأْتِ بِـآخَرِينَ } أي ويوجِدْ دفعةً مكانكم قوماً آخرين من البشر أو خلقاً آخرين مكانَ الإنسِ، ومفعولُ المشيئةِ محذوفٌ لكونه مضمونَ الجزاءِ أي إن يشأ إفناءَكم وإيجادَ آخرين يذهبْكم الخ، يعني أن إبقاءَكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم ولعدم تعلقِ مشيئتِه المبنيةِ على الحِكَم البالغةِ بإفنائكم لا لعجزه سبحانه، تعالى عن ذلك علواً كبـيراً { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ } أي على إفنائكم بالمدة وإيجاد آخرين دفعة مكانكم { قَدِيراً } بليغَ القدرةِ فيه ــ لا سيما في توسط الخطابِ بـين الجزاءِ وما عُطف عليه من تشديد التهديد ــ ما لا يخفى، وقيل: خطاب لمن عادى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من العرب، أي إن يشأ يُمِتْكم ويأتِ بأناس آخرين يوالونه فمعناه هو معنى قوله تعالى: { { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } [محمد صلى الله عليه وسلم، الآية 38] ويروىٰ " أنها لما نزلت ضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بـيده على ظهر سلمانَ وقال: إنهم قومُ هذا يريد أبناءَ فارسَ" { مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا } كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة { فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي فعنده تعالى ثوابُهما له إن أراده فما له يطلُب أخسَّهما فليطلُبْهما كمن يقول: ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً أو لِيَطلُبْ أشرفَهما فإن من جاهد خالصاً لوجه الله تعالى لم تُخطِئْه الغنيمةُ وله في الآخرة ما هي في جنبه كَلاَ شيءٍ أي فعند الله ثوابُ الدارين فيعطي كلاًّ ما يريده كقوله تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ } [الشورى، الآية 20] الآية، { وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً } عالماً بجميع المسموعاتِ والمُبصَرات فيندرج فيها ما صدَر عنهم من الأقوال والأعمالِ المتعلقةِ بمراداتهم اندراجاً أولياً.