التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٤
وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً
١٥
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ولو في بعض الأوامرِ والنواهي قال مجاهد فيما اقتُصَّ من المواريث وقال عكرمة عن ابن عباس من لم يرضَ بقَسْم اللَّهِ تعالى ويتعدَّ ما قال اللَّهُ تعالى، وقال الكلبـي يعني ومن يكفرْ بقسمة اللَّهِ المواريثَ ويتعدَّ حدودَه استحلالاً. والإظهارُ في موقع الإضمارِ للمبالغة في الزجر بتهويل الأمرِ وتربـيةِ المهابة { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } شرائعَه المحدودة في جميع الأحكامِ فيدخُل فيها ما نحن فيه دخولاً أولياً { يُدْخِلْهُ } وقرىء بنون العظمةِ في الموضعين { نَارًا } أي عظيمةً هائلةً لا يقادَرُ قدرُها { خَالِداً فِيهَا } حال كما سبق، ولعل إيثارَ الإفرادِ هٰهنا نظراً إلى ظاهر اللفظِ، واختيارُ الجمعِ هناك نظراً إلى المعنى للإيذان بأن الخلودَ في دار الثوابِ بصفة الاجتماعِ أجلبُ للأنس كما أن الخلودَ في دار العذاب بصفة الانفرادِ أشدُّ في استجلاب الوحشة { وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي وله مع عذاب الحريقِ الجُسماني عذابٌ آخرُ مُبهمٌ لا يعرف كُنهُه، وهو العذابُ الروحاني كما يُؤْذِنُ به وصفُه والجملةُ حالية.

{ وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مِن نّسَائِكُمْ } شروعٌ في بـيان بعضٍ آخَرَ من الأحكام المتعلقةِ بالنساءِ إثرَ بـيانِ أحكامِ المواريثِ، واللاَّتي جمعُ التي بحسب المعنى دون اللفظِ وقيل جمعٌ على غير قياسٍ، والفاحشةُ الفَعلةُ القبـيحةُ أريد بها الزنا لزيادة قُبحِه، والإتيانُ الفعلُ والمباشرةُ يقال أتى الفاحشةَ أي فعلها وباشرها وكذا جاءها ورهَقها وغشِيَها، وقرىء بالفاحشة، فالإتيانُ بمعناه المشهورِ، و(من) متعلقةٌ بمحذوف وقعَ حالاً من فاعل يأتي أي اللاَّتي يفعلْن الزنا كائناتٍ من نسائكم أي من أزواجكم كما في قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ } [المجادلة، الآية 3] وقوله تعالى: { { مّن نِّسَائِكُمُ ٱللَّـٰتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } [النساء، الآية 23] وبه قال السدي { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ } خبرٌ للموصول، والفاءُ للدلالة على سببـية ما في حيز الصلةِ للحكم، أي فاطلبوا أن يشهَدَ عليهن بإتيانها أربعةٌ من رجال المؤمنين وأحرارِهم.

{ فَإِن شَهِدُواْ } عليهن بذلك { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱلْبُيُوتِ } أي فاحبِسوهن فيها واجعلوها سِجْناً عليهن { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ } أي إلى أن يستوفيَ أرواحَهن { ٱلْمَوْتُ } وفيه تهويلٌ للموت وإبرازٌ له في صورة من يتولى قبضَ الأرواحِ ويتوفاها، أو يتوفاهن ملائكةُ الموتِ { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } أي يشرع لهن حكماً خاصًّا بهن ولعل التعبـيرَ عنه بالسبـيل للإيذان بكونه طريقاً مسلوكاً فليس فيه دَلالةٌ على كونه أخفَّ من الحبس كما قاله أبو مسلم.