التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٥٢
يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً
١٥٣
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } أي على الوجه الذي بُـيّن في تفسير قولِه تعالى: { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [النساء، الآية 136] الآية، { وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } بأن يؤمنوا ببعضهم ويكفروا بآخَرين كما فعله الكفرة، ودخولُ { بَيْنَ } على أحد قد مر تحقيقه في سورة البقرة بما لا مزيدَ عليه { أُوْلَـٰئِكَ } المنعوتون بالنعوت الجليلةِ المذكورةِ { سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } الموعودةَ لهم وتصديرُه بسوف لتأكيد الوعدِ والدلالةِ على أنه كائنٌ لا محالةَ وإنْ تراخىٰ، وقرىء نُؤتيهم بنون العظمة { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لما فرَط منهم { رَّحِيماً } مبالغاً في الرحمة بتضعيف حسناتِهم.

{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كِتَـٰباً مّنَ ٱلسَّمَاء } نزلت (في أحبار اليهودِ حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبـياً فأتِنا بكتاب من السماء جملةً كما أتىٰ به موسى عليه الصلاة والسلام) وقيل: كتاباً محرَّراً بخطَ سماويَ على اللوح كما نزلت التوراةُ، أو كتاباً نُعايِنُه حين يَنزِل، أوْ كتاباً إلينا بأعياننا بأنك رسولُ الله، وما كان مقصِدُهم بهذه العظيمة إلا التحكمَ والتعنّتَ. قال الحسنُ: ولو سألوه لكي يتبـيَّنوا الحقَّ لأعطاهم وفيما آتاهم كفاية { فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ } جوابُ شرطٍ مقدّر، أي إن استكبرتَ ما سألوه منك فقد سألوا موسى شيئاً أكبرَ منه، وقيل: تعليلٌ للجواب أي فلا تُبالِ بسؤالهم فقد سألوا موسى أكبرَ منه، وهذه المسألةُ وإن صدَرت عن أسلافهم لكنهم لما كانوا مقتدين بهم في كل ما يأتون وما يذرون أُسنِدت إليهم،والمعنى أن لهم في ذلك عِرْقاً راسخاً وأن ما اقترحوه عليك ليس أولَ جهالاتِهم { فَقَالُواْ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } أي أرِناه نَرَهُ جهرةً أي عِياناً أو مجاهرين معاينين له، والفاءُ تفسيريةٌ { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ } أي النارُ التي جاءتهم من السماء فأهلكتهم، وقرىء الصعقةُ { بِظُلْمِهِمْ } أي بسبب ظلمِهم وهو تعنتُهم وسؤالُهم لما يستحيل في تلك الحالةِ التي كانوا عليها، وذلك لا يقتضي امتناعَ الرؤيةِ مطلقاً { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ } أي المعجزاتِ التي أظهرها لفرعون من العصا واليدِ البـيضاءِ وفلْقِ البحر وغيرِها، لا التوراةُ، لأنها لم تنزلْ عليهم بعد { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ } ولم نستأصِلْهم وكانوا أحقاءَ به. قيل: هذا استدعاءٌ لهم إلى التوبة كأنه قيل: إن أولئك الذين أجرموا تابوا فعفونا عنهم فتوبوا أنتم أيضاً حتى نعفوَ عنكم.

{ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً } سلطاناً ظاهراً حيث أمرهم بأن يقتُلوا أنفسَهم توبةً عن معصيتهم.