التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً
٣٥
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى الحكام واردٌ على بناء الأمرِ على التقدير المسكوتِ عنه أعني عدمَ الإطاعةِ المؤدِّي إلى المخاصمة والمرافعةِ إليهم. والشقاقُ المخالفةُ إما لأن كلاً منهما يريد أن يشُق على الآخر وإما لأن كلاً منهما في شِق أي جانبٍ غيرِ شقِ الآخَر، والخوفُ هٰهنا بمعنى العلم قاله ابن عباس، والجزمُ بوجود الشقاقِ لا ينافي بعثَ الحَكَمين لأنه لرجاء إزالتِه لا لتعرُّفِ وجودِه بالفعل وقيل: بمعنى الظنِّ وضميرُ التثنيةِ للزوجين وإن لم يجْرِ ذكرُهما لجري ما يدل عليهما، وإضافةُ الشقاقِ إلى الظرف إما على إجرائه مُجرى المفعولِ به كما في قوله: يا سارقَ الليلةِ أو مُجرى الفاعل كما في قولك: نهارُه صائمٌ أي إن علمتم أو ظننتم تأكّدَ المخالفةِ بحيث لا يقدِر الزوجُ على إزالتها { فَٱبْعَثُواْ } أي إلى الزوجين لإصلاح ذاتِ البَـينِ { حُكْمًا } رجلاً وسطاً صالحاً للحكومة والإصلاحِ { مّنْ أَهْلِهِ } من أهل الزوج { وَحَكَماً } آخرَ على صفة الأولِ { مّنْ أَهْلِهَا } فإن الأقاربَ أعرفُ ببواطن الأحوالِ وأطلبُ للصلاح وهذا على وجه الاستحبابِ فلو نُصِبا من الأجانب جاز واختلف في أنهما هل يليان الجمعَ والتفريقَ إن رأيا ذلك فقيل: لهما ذلك وهو المروىٰ عن علي رضي الله عنه وبه قال الشعبـيُّ، وعن الحسن: يَجمعان ولا يفرِّقان وقال مالكٌ: لهما أن يتخالعا إن كان الصلاحُ فيه { إِن يُرِيدَا } أي الحَكَمان { إِصْلَـٰحاً } أي إن قصدا إصلاحَ ذاتِ البـينِ وكانت نيتُهما صحيحةً وقلوبُهما ناصحةً لوجه الله تعالى { يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } يوقِع بـين الزوجين الموافقةَ والأُلفةَ وألقى في نفوسهما المودةَ والرأفةَ، وعدمُ التعرضِ لذكر عدمِ إرادتِهما الإصلاحَ لما ذُكر من الإيذان بأن ذلك ليس مما ينبغي أن يُفرَضُ صدورُه عنهما وأن الذي يليق بشأنهما ويُتوَقّعُ صدورُه عنهما هو إرادةُ الإصلاحِ، وفيه مزيدُ ترغيبٍ للحَكَمين في الإصلاح وتحذيرٌ عن المساهلة لكيلا يُنسَبَ اختلالُ الأمرِ إلى عدم إرادتِهما فإن الشرطيةَ الناطقةَ بدَوَران وجودِ التوفيقِ على وجود الإرادةِ منبئةٌ عن دوران عدمِه على عدمها، وقيل: كلا الضميرين للحكَمين أي إن قصدا الإصلاحِ يوفقِ الله بـينهما فتتّفقَ كلمتُهما ويحصُلَ مقصودُهما، وقيل: كلاهما للزوجين أي إن أرادا إصلاحَ ما بـينَهما من الشقاق أوقع الله تعالى بـينهما الأُلفةَ والوِفاقَ وفيه تنبـيهٌ على أن من أصلح نيتَه فيما يتوخاه وفقه الله تعالى لمبتغاه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } بالظواهر والبواطنِ فيعلم كيف يرفعُ الشقاقَ ويوقعُ الوفاقَ.