التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً
٦١
فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً
٦٢
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } تكملةٌ لمادة التعجيبِ ببـيان إعراضِهم صريحاً عن التحاكم إلى كتاب الله تعالى ورسولِه إثرَ بـيانِ إعراضِهم عن ذلك في ضمن التحاكُمِ إلى الطاغوت، وقرىء تعالوا بضم اللام على أنه حذفُ لامِ الفعلِ تخفيفاً كما في قولهم: ما باليت بالةً أصلُها بالِية كعافية وكما قالوا في آية أن أصلُها آيِـيَة فحُذفت اللام ووقعت واوُ الجمعِ بعد اللامِ في تعالَ فضُمت فصار تعالُوا ومنه قول أهلِ مكةَ للمرأة: تعالِي بكسر اللام وعليه قولُ أبـي فراس الحمداني: [الطويل]

أيا جارتىٰ ما أنصف الدهرُ بـينناتعالَيْ أُقاسمْك الهمومَ تعالِي

{ رَأَيْتَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } إظهارُ المنافقين في مقام الإضمارِ للتسجيل عليهم بالنفاق وذمّهم به والإشعارِ بعلة الحُكمِ، والرؤيةُ بصَريةٌ وقوله تعالى: { يَصُدُّونَ عَنكَ } حالٌ من المنافقين، وقيل: الرؤيةُ قلبـيةٌ والجملةُ مفعولٌ ثانٍ لها والأولُ هو الأنسبُ بظهور حالِهم، وقولُه تعالى: { صُدُوداً } مصدرٌ مؤكدٌ لفعله أي يُعرِضون عنك إعراضاً وأيَّ إعراضٍ، وقيل: هو اسمٌ للمصدر الذي هو الصدُّ والأظهرُ أنه مصدرٌ لصدَّ اللازمِ، والصدُّ مصدرٌ للمتعدي يقال: صَدَّ عنه صُدوداً أي أعرض عنه وصدَّه عنه صداً أي منعه منه، وقوله تعالى: { فَكَيْفَ } شروعٌ في بـيان غائلةِ جناياتِهم المَحْكيةِ ووخامةِ عاقبتِها أي كيف يكون حالُهم { إِذَا أَصَـٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ } أي وقتَ إصابةِ المصيبةِ إياهم بافتضاحهم بظهور نفاقِهم { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } بسبب ما عمِلوا من الجنايات التي من جُملتها التحاكمُ إلى الطاغوت والإعراضُ عن حكمك { ثُمَّ جَاءوكَ } للاعتذار عما صنعوا من القبائح، وهو عطفٌ على إصابتهم، والمرادُ تفظيعُ حالِهم وتهويلُ ما دَهَمهم من الخطب واعتراهم من شدة الأمرِ عند إصابةِ المصيبةِ وعند المجيء للاعتذار { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } حالٌ من فاعل جاؤوك { إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } أي ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الفصلَ بالوجه الحسَنِ والتوفيقِ بـين الخصمين ولم نُرِدْ مخالفةً لك ولا لحكمك فلا تؤاخِذْنا بما فعلنا، وهذا وعيدٌ لهم على ما فعلوا وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعُهم الندمُ ولا يغني عنهم الاعتذارُ. وقيل: جاء أولياءُ المنافقِ يطلُبون بدمه وقد أهدره الله تعالى فقالوا: ما أردنا أي ما أراد صاحبُنا المقتولُ بالتحاكم إلى عمرَ رضي الله تعالى عنه إلا أن يُحسِن إليه ويوفِّقَ بـينه وبـين خصمِه.