التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً
٦٣
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً
٦٤
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى المنافقين، وما فيه من معنى البُعد للتنبـيه على بُعد منزلتِهم في الكفر والنفاقِ، وهو مبتدأٌ خبرُه { ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } أي من فنون الشرورِ والفسادِ المنافيةِ لما أظهروا لك من الأكاذيب.

{ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } جوابُ شرطٍ محذوفٍ أي إذا كان حالُهم كذلك فأعرِضْ عن قَبول معذرتِهم وقيل: عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم، ولا تُظهِرْ لهم علمَك بما في بواطنهم ولا تهتِكْ سترَهم حتى يبقَوْا على وجَلٍ وحذر { وَعِظْهُمْ } أي ازجُرْهم عن النفاق والكيد { وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ } في حق أنفسِهم الخبـيثةِ وقلوبِهم المُنْطويةِ على الشرور التي يعلمها الله تعالى، أو في أنفسهم خالياً بهم ليس معهم غيرُهم مُسارّاً بالنصيحة لأنها في السرّ أنجَعُ { قَوْلاً بَلِيغاً } مؤثراً واصِلاً إلى كُنه المرادِ مطابقاً لما سيق له من المقصود، فالظرفُ على التقديرين متعلقٌ بالأمر، وقيل: متعلقٌ ببليغاً على رأي من يُجيز تقديمَ معمولِ الصفةِ على الموصوف أي قل لهم قولاً بليغاً في أنفسهم مؤثراً في قلوبهم يغتمّون به اغتماماً ويستشعرون منه الخوفَ استشعاراً وهو التوعُّدُ بالقتل والاستئصالِ، والإيذانُ بأن ما في قلوبهم من مكنونات الشرِّ والنفاقِ غيرُ خافٍ على الله تعالى وأن ذلك مستوجِبٌ لأشد العقوباتِ، وإنما هذه المكافأةُ والتأخيرُ لإظهارهم الإيمانَ والطاعةَ وإضمارِهم الكفرَ، ولئن أظهروا الشقاقَ وبرَزوا بأشخاصهم من نفق النفاقِ لَيَمسَّنهم العذابُ إن الله شديدُ العقاب.

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } كلامٌ مبتدأٌ جيء به تمهيداً لبـيان خطئِهم في الاشتغال بسَتر جنايتِهم بالاعتذار بالأباطيل وعدمِ تلافيها بالتوبة، أي وما أرسلنا رسولاً من الرسل لشيء من الأشياء إلا ليُطاعَ بسبب إذنِه تعالى في طاعته، وأمرِه المرسلَ إليهم بأن يُطيعوه ويتبعوه لأنه مؤدَ عنه تعالى فطاعتُه طاعةُ الله تعالى ومعصيتُه معصيتُه تعالى { { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء، الآية: 80] أو بتيسير الله تعالى وتوفيقِه في طاعته.

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } وعرَّضوها لعذاب [زائد] على عذاب النفاقِ بترك طاعتِك والتحاكمِ إلى غيرك { جَاءوكَ } من غير تأخيرٍ كما يُفصح عنه تقديمُ الظرفِ متوسِّلين بك في التنصُّل عن جناياتهم القديمةِ والحادثةِ ولم يزدادوا جنايةً على جناية بالقصد إلى سترها بالاعتذار الباطلِ والأَيْمانِ الفاجرة { فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } بالتوبة والإخلاصِ وبالغوا في التضرُّع إليك حتى انتصبْتَ شفيعاً إلى الله تعالى واستغفرْتَ لهم وإنما قيل: { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } على طريقة الالتفاتِ تفخيماً لشأن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لاستغفاره وتنبـيهاً على أن شفاعتَه في حيِّز القَبول { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } لعَلِموه مبالغاً في قَبول توبتهم والتفضّل عليهم بالرحمة، وإن فُسّر الوُجدانُ بالمصادفة كان قوله تعالى: { تَواباً } حالاً و{ رَّحِيماً } بدلاً منه، أو حالاً من الضمير فيه، وأياً ما كان ففيه فضلُ ترغيبٍ للسامعين في المسارعة إلى التوبة والاستغفارِ ومزيدُ تنديمٍ لأولئك المنافقين على ما صنعوا لما أن ظهورَ تباشيرِ قَبولِ التوبةِ وحصولَ الرحمةِ لهم ومشاهدتَهم لآثارهما نعمةٌ زائدةٌ عليهما موجبةٌ لكمال الرغبةِ في تحصيلها وتمامِ الحسرةِ على فواتها.