التفاسير

< >
عرض

لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٤٣
فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
٤٤
فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ
٤٥
ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ
٤٦
-غافر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لاَ جَرَمَ } لا ردَّ لما دعَوهُ إليهِ وجرمَ فعلٌ ماضٍ بمعَنْى حَقَّ وفاعلُه قولُه تعالى: { أنَّ مَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِى ٱلآخِرَةِ } أيْ حق ووجب عدم دعوة آلهتهم إلى عبادتها أصلاً أو عدم دعوة مستجابة أو عدم استجابةِ دعوةٍ لهَا وقيلَ جرمَ بمعنى كسبَ وفاعلُه مستكنٌّ فيهِ أي كسبَ ذلكَ الدعاءُ إليهِ بطلانَ دعوتِه بمعنى ما حصلَ من ذلكَ إلا ظهورُ بطلانِ دعوتِه وقيل: جرمَ فعلٌ من الجَرْمِ وهو القطعُ كما أن بُدّاً من لا بد فُعْلٌ من التبديد أي التفريق والمعنى لا قطع لبطلان ألوهية الأصنام أي لا ينقطع في وقت ما فينقلب حقاً ويؤيده قولهم لا جُرْم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء وفُعْلٌ وفَعَلٌ أخوان كرُشْد ورَشَد { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى ٱللَّهِ } أي بالموتِ عطفٌ على أنَّ ما تدعونِني داخلٌ في حُكمِه وكذا قولُه تعالى: { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ } أي في الضلالِ والطغيانِ كالإشراكِ وسفكِ الدِّماءِ { هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } أي مُلازمُوهَا { فَسَتَذْكُرُونَ } وقُرىءَ فَستدكَّرُونَ أي فسيذكِّرُ بعضُكم بعضاً عند معاينةِ العذابِ { مَا أَقُولُ لَكُـمْ } من النضائحِ { وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱللَّهِ } قالَه لما أنَّهم كانُوا توعَّدُوه { إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } فيحرُسُ مَنْ يلوذُ به من المكارِه { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } شدائدَ مكرِهم وما همّوا به من إلحاقِ أنواعِ العذابِ بمن خالفَهم قيلَ نَجا معَ مُوسى عليهِ السَّلامُ { وَحَاقَ بِـئَالِ فِرْعَوْنَ } أي بفرعونَ وقومِه، وعدمُ التصريحِ بهِ للاستغناءِ بذكرِهم عنْ ذكرِه ضرورةَ أنَّه أولى منُهم بذلكَ وقيل: بطَلَبةِ المؤمنِ منْ قومِه لما أنَّه فرَّ إلى جبلٍ فاتبعَهُ طائفةٌ ليأخذُوه فوجدُوه يُصلِّي والوحوسُ صفوفٌ حولَهُ فرجعُوا رُعْباً فقتلَهُم { سُوء ٱلْعَذَابِ } الغرقُ والقتلُ والنَّارُ.

{ ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } جملةٌ مستأنفةٌ مَسْوقةٌ لبـيانِ كيفيةِ سوءِ العذابِ، أو النَّارُ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، كأنَّ قَائِلاً قالَ ما سوءُ العذابِ فقيلَ هُو النَّارُ ويُعرضونَ استئنافٌ للبـيانِ، أو بدلٌ من سوءِ العذابِ ويُعرضون حالٌ منَها أو من الآلِ ولا يشترطُ في الحَيْقِ أنْ يكونَ الحائقُ ذلكَ السوءَ بعينِه حَتَّى يردَ أنَّ آلَ فرعونَ لم يهمُّوا بتعذيبِه بالنَّارِ ليكونَ ابتلاؤهم بها من قبـيلِ رجوعِ ما هَمُّوا بهِ عليهم بلْ يكِفي في ذلكَ أنْ يكونَ مما يطلقُ عليهِ اسمُ السوءِ. وقُرِئتْ منصوبةً على الاختصاصِ أو بإضمار فعلٍ يفسرُه يُعرَضونَ مثلُ يُصْلَون فإنَّ عرضَهُم على النَّارِ بإحراقِهم بها من قولِهم عُرضَ الأُسَارى على السيفِ إذا قُتِلُوا بهِ وذلكَ لأرواحِهم كما رَوَىَ ابنُ مسعودٍ رضَي الله عنْهُ أنَّ أرواحَهُم في أجوافٍ طيرٍ سُودٍ تُعرضُ على النَّارِ بُكرةً وعشياً إلى يومِ القيامةِ، وذكرُ الوقتينِ إمَّا للتخصيصِ وإمَّا فيما بـينهُمَا فالله تعالَى أعلمُ بحالِهم وإمَّا للتأبـيدِ هذا ما دامتِ الدُّنيا.

{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } يقالُ للملائكةِ { أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } أي عذابَ جهنَم فإنَّه أشدُّ ممَّا كانُوا فيه، أو أشدّ عذابِ جهنَم، فإنَّ عذابَها ألوانٌ بعضُها أشدُّ من بعضٍ. وقُرىءَ ادخُلُوا من الدخولِ أي يُقالُ لهم ادخُلُوا يا آلَ فرعونَ أشدَّ العذابِ.