التفاسير

< >
عرض

وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ
٢٣
فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ
٢٤
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ
٢٥
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ
٢٦
-فصلت

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَذَلِكُمْ } إشارةٌ إلى ما ذُكِرَ منْ ظنِّهم، وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ للإيذانِ بغايةِ بُعدِ منزلتِه في الشرِّ و السوءِ وهُو مبتدأ. وقولُه تعالى: { ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ } خبرانِ لهُ ويجوزُ أن يكونَ ظنُّكُم بدلاً وأرداكُم خبراً. { فَأَصْبَحْتُم } بسببِ ذلكَ الظنِّ السوءِ الذي أهلككُم { مّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } إذْ صارَ ما مُنِحوا لنيلِ سَعادةِ الدارينِ سبباً لشقاءِ النشأتينِ { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أي محلُّ ثُواءٍ وإقامةٍ أبديةٍ لهم بحيثُ لا براحَ لهم منهَا. والالتفاتُ إلى الغَيبةِ للإيذانِ باقتضاءِ حالِهم أن يُعرضَ عنهم ويُحكى سوءُ حالِهم لغيرِهم، أو للإشعارِ بإبعادِهم عن حيزِ الخطابِ وإلقائِهم في غايةِ دركاتِ النارِ. { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } أي يسألُوا العُتْبَى وهُو الرجوعُ إلى ما يحبونَهُ جزعاً مما هُم فيِه. { فَمَا هُم مّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } المجابـينَ إليَها، ونظيرُه قولُه تعالى: { { سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } [سورة إبراهيم: الآية 21] وقُرىءَ وإنْ يَسْتعتبُوا فما هُم من المعتبِـين أيْ إنْ يسألُوا أن يُرضوا ربَّهم، فما هُم فاعلونَ لفواتِ المُكنةِ.

{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ } أيْ قدّرنا وقرنّا للفكرةِ في الدُّنيا { قُرَنَاء } جمعُ قرينٍ أي أخداناً من الشياطينِ يستولُون عليهم استيلاءَ القيضِ على البـيضِ وهو القشرُ وقيل: أصلُ القيضِ البدلُ ومنه المقايضةُ للمعاوضةِ. { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } مِن أمورِ الدُّنيا واتباعِ الشهواتِ { وَمَا خَلْفَهُمْ } من أمورِ الآخرةِ حيثُ أرَوهم أنْ لا بعثَ ولا حسابَ ولا مكروَه قطُّ. { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أيْ ثبتَ وتقررَ عليهم كلمةُ العذابِ وتحققَ موجبُها ومصداقُها، وهو قولُه تعالَى لإبليسَ: { { فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [سورة ص: الآية 85]. وقولُه تعالَى: { { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } [سورة الأعراف: الآية 18] كما مرَّ مِراراً. { فِى أُمَمٍ } حالٌ من الضميرِ المجرورِ أي كائنتينَ في جملةِ أممٍ وقيلَ: فِي بمعْنى مَعَ، وهَذا كما ترَى صريحٌ في أنَّ المرادَ بأعداءِ الله تعالى فيما سبقَ المعهودونَ من عادٍ وثمودَ لا الكفارُ من الأولينَ والآخرينَ كما قيلَ.

{ قَدْ خَلَتْ } صفةٌ لأممٍ، أي مضتْ { مِن قَبْلِهِمْ مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } على الكُفر والعصيانِ كدأبِ هؤلاءِ { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَـٰسِرِينَ } تعليلٌ لاستحقاقِهم العذابَ، والضميرُ للأولينَ والآخرينَ. { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } من رؤساء المشركين لأعقابهم أو قالَ بعضُهم لبعضٍ { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ } أي لا تُنصتوا له { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } وعارِضُوه بالخُرافاتِ من الرجزِ والشعرِ والتصديةِ والمُكاءِ، أو ارفعُوا أصواتَكم بَها لتشوشُوه على القارىءِ. وقُرِىءَ بضمِّ الغينِ والمَعْنى واحدٌ، يُقالُ لَغَى يَلْغَى، كلقِي يَلْقَى. ولَغَا يلغُو، إذا هَذَى { لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } أي تغلبونَهُ على قراءتِه.