التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٩
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ
١٠
-فصلت

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ } إنكارٌ وتشنيعٌ لكفرهم وإنَّ واللامُ إما لتأكيد الإنكارِ وتقديمُ الهمزةِ لاقتضائها الصدارةَ لا لإنكارِ التأكيدِ وإما للإشعارِ بأن كفرَهُم من البعد بحيثُ ينكرُ العقلاءُ وقوعَهُ فيحتاجُ إلى التأكيد وإنما علق كفرُهم بالموصول حيثُ قيل: { بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ } لتفخيم شأنِه تعالى واستعظامِ كفرِهم به أي بالعظيمِ الشأنِ الذي قدَّرَ وجودَها أي حكَم بأنها ستوجدُ في مقدار يومينِ أو في نوبتينِ على أن ما يُوجدُ في كلِّ نوبةٍ يوجدُ بأسرعِ ما يكونُ وإلا فاليومُ الحقيقيُّ إنما يتحققُ بعدَ وجودِها وتسويةِ السمواتِ وإبداعِ نيرّاتِها وترتيبِ حركاتِها { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } عطفٌ على تكفرُونَ داخلٌ في حكم الإنكارِ والتوبـيخِ. وجمعُ الأندادِ باعتبار ما هو الواقعُ لا بأن يكونَ مدارُ الإنكارِ هو التعددُ أي وتجعلونَ له أنداداً والحالُ أنه لا يمكنُ أن يكونَ له ندٌّ واحدٌ { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى الموصولِ باعتبار اتصافِه بما في حيز الصلةِ وما فيه من معنى البعدِ مع قرب العهدِ بالمشار إليه للإيذانِ ببُعدِ منزلتِه في العظمة وإفرادُ الكافِ لما مرَّ مِراراً من أنَّ المرادَ ليس تعيـينَ المخاطبـينَ وهو مبتدأٌ خبرُهُ ما بعدَهُ أي ذلكَ العظيمُ الشأنِ الذي فعلَ ما ذُكرَ { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي خالقُ جميعِ الموجوداتِ ومربـيها دونَ الأرضِ خاصَّة فكيف يتُصورُ أن يكونَ أخسُّ مخلوقاتِه نِداً له وقولُه تعالَى: { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } عطفٌ على خلقَ داخلٌ في حكم الصلةِ والجعلُ إبداعيٌّ وحديثُ لزومِ الفصلِ بـينهما بجملتيـنِ خارجتينِ عن حيزِ الصلةِ مدفوعٌ بأن الأُولى متحدةٌ بقولِه تعالى: تكفرونَ فهو بمنزلةِ الإعادةِ له، والثانيةُ اعتراضيةٌ مقررةٌ لمضمون الكلامِ بمنزلة التأكيدِ فالفصلُ بهما كلاَ فصلٍ على أن فيه فائدةَ التنبـيِه على أن مجردَ المعطوفِ عليه كافٍ في تحقق ربوبـيتِه للعالمينَ واستحالةِ أنْ يجعلَ له ندٌّ فكيفَ إذا انضمَّ إليه المعطوفاتُ وقيلَ هو عطفٌ على مقدرٍ أي خلقَها وجعلَ الخ وقيلَ هو كلامٌ متسأنفٌ وأيَّاً ما كان فالمرادُ تقديرُ الجعلِ لا الجعلُ بالفعلِ. وقولُه تعالى: { مّن فَوْقِهَا } متعلقٌ بجعلَ أو بمضمر هو صفةٌ لرواسِي أي كائنةً من فوقها مرتفعةً عليها لتكونَ منافعُها معرضةً لأهلها ويظهرَ للنظّارِ ما فيَها من مراصدِ الاعتبارِ ومطارحِ الأفكارِ { وَبَـٰرَكَ فِيهَا } أي قدرَ أن يكثرَ خيرُها بأن يخلقَ أنواعَ الحيواناتِ التي من جُملتها الإنسانُ وأصنافُ النباتِ التي منها معايشُهم { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوٰتَهَا } أي حكَم بالفعلِ بأن يوجدَ فيما سيأتي لأهلها من الأنواع المختلفةِ أقواتُها المناسبةُ لها على مقدار معينٍ تقتضيه الحكمةُ. وقُرِىءَ وقَسَّم فيَها أقواتَها { فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } متعلقٌ بحصول الأمورِ المذكورةِ، لا بتقديرها أي قدرَ حصولَها في يومينِ وإنما قيلَ في أربعة أيامٍ أي تتمةِ أربعةٍ تصريحاً بالفذلكةِ { سَوَآء } مصدرٌ مؤكدٌ لمضمرٍ، هو صفةٌ لأيامٍ أي استوتْ سواءً أيَّ استواءً كما ينبىءُ عنه القراءةُ بالجرِّ وقيلَ هو حالٌ من الضمير في أقواتها أو في فيَها. وقُرِىءَ بالرفع أي هو سواءٌ { لّلسَّائِلِينَ } متعلقٌ بمحذوف تقديرُه هذا الحصرُ للسائلينَ عن مدةِ خلقِ الأرضِ وما فيها أو بقدَّرَ أي قدَّرَ فيها أقواتَها لأجل السائلينَ أي الطالبـين لها المحتاجين إليها من المقتاتين.