التفاسير

< >
عرض

فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ
١٥
-الشورى

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَلِذَلِكَ } أي فلأجل ما ذُكِرَ من التفرق والشكِّ المريبِ أو فلأجلِ أنَّه شرعَ لهم الدينَ القويمَ القديمَ الحقيقَ بأنْ ينافسَ فيهِ المتنافسونَ { فَٱدْعُ } أي الناسَ كافةً إلى إقامةِ ذلكَ الدينِ بموجبِه فإنَّ كلاً من تفرقِهم وكونِهم في شكَ مريب ومن شرع ذلك الدين لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم سببٌ للدعوةِ إليهِ والأمرِ بَها، وليسَ المشارُ إليهِ ما ذُكرَ من التوصية والأمرِ بالإقامة والنَّهي عن التفرقِ حتى يُتوهمُ شائبةُ التكرارِ، وقيلَ: المشارُ إليهِ نفسُ الدينِ المشروعِ، واللامُ بمَعْنى إِلى كَما في قولِه تعالى: { { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [سورة الزلزلة، الآية 5] أي فإلى ذلكَ الدينِ فادعُ { وَٱسْتَقِمْ } عليه وعلى الدعوة إليه { كَمَا أُمِرْتَ } وأُوحيَ إليكَ { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } الباطلةَ { وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبٍ } أيَّ كتابٍ كان من الكتبِ المنزلةِ لا كالذينَ آمنُوا ببعضٍ منها وكفرُوا ببعضٍ، وفيه تحقيقٌ للحقِّ وبـيانٌ لاتفاق الكتبِ في الأصول وتأليفٌ لقلوب أهلِ الكتابـينِ وتعريضٌ بهم وقد مرَّ بـيانُ كيفيةِ الإيمانِ بها في خاتمةِ سورةِ البقرةِ { وَأُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمُ } في تبليغ الشرائعِ والأحكام وفصل القضايا عند المحاكمة والخصام، وقيل معناه لأسوي بـيني وبـينكُم ولا آمرَكم بما لا أعملُه ولا أخالفَكم إلى ما أنهاكُم عْنهُ ولا أفرقَ بـين أكابرِكم وأصاغرِكم، واللام إمَّا على حقيقتها والمأمورُ به محذوفٌ أيْ أمِرتْ بذلكَ لأعدلَ، أو زائدةٌ أيْ أمرتُ أنْ أعدلَ والباءُ محذوفةٌ. { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي خالقُنا جميعاً ومتولِّي أمورنا { لَنَا أَعْمَـٰلُنَا } لا يتخطانَا جزاؤُها ثواباً كانَ أو عقاباً { وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } لا تجاوزكم آثارها لنستفيد بحسناتكم ونتضرر بسيئاتكم { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أيْ لا مُحاجَّةَ ولا خصومةَ لأنَّ الحقَّ قد ظهرَ ولم يبقَ للمحاجَّةِ حاجةٌ ولا للمخالفة محملٌ سوى المكابرةِ { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } يومَ القيامةِ { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } فيظهرُ هناكَ حالُنا وحالُكم. وهذا كما تَرَى محاجزةٌ في مواقف المجاوبةِ لا متارَكةٌ في مواطن المحاربةِ حتى يُصارَ إلى النسخ بآيةِ القتالِ.