التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
١٦
ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ
١٧
يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
١٨
-الشورى

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِى ٱللَّهِ } أي في دينِه { مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ } من بعدِ ما استجابَ له الناسُ ودخلُوا فيهِ، والتعبـيرُ عن ذلكَ بالاستجابةِ باعتبار دعوتِهم إليهِ أو من بعد ما استجابَ الله لرسولهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأيَّده بنصره أو من بعد ما استجابَ له أهلُ الكتابِ بأنْ أقرُّوا بنبوته عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ واستفتحُوا به قبلَ مبعثِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وذلكَ أنَّ اليهودَ والنَّصارى كانوا يقولونَ للمؤمنين كتابُنَا قبلَ كتابِكم ونبـيُنا قبلَ نبـيِّكُم ونحنُ خير منكُم وأولى بالحقِّ. { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ } زالَّةٌ زائلةٌ باطلةٌ بلْ لا حجةَ لهم أصلاً وإنما عبَّر عن أباطيلهم بالحجة مجاراةً معهم على زعمهم الباطلِ. { وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } عظيمٌ لمكابرتِهم الحقَّ بعدَ ظهورِه { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } لا يُقَادرُ قَدرُهُ.

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي جنسَ الكتابِ { بِٱلْحَقّ } ملتبساً به في أحكامه وأخبارِه أو بما يحقُّ إنزالُه من العقائدِ والأحكامِ. { وَٱلْمِيزَانَ } والشرعِ الذي يُوزنُ به الحقوقُ ويُسوَّىٰ بـينَ الناسِ، أو نفسُ العدلِ بأنْ أنزلَ الأمرَ بهِ أو آلةُ الوزنِ { وَمَا يُدْرِيكَ } أيْ أيُّ شيءٍ يجعلكَ عالماً { لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ } التي يخبرُ بمجيئها الكتابُ الناطقُ بالحقِّ { قَرِيبٌ } أيْ شيءٌ قريبٌ أو قريب مجيئُها، وقيلَ: القريبُ بمعنى ذاتِ قربٍ، أو الساعةُ بمعنى البعثِ والمَعْنى أنَّها على جناحِ الإتيانِ فاتبعِ الكتابَ واعملْ بهِ وواظبْ على العدل قبل أنْ يفاجئكَ اليومُ الذي يوزنُ فيه الأعمالُ ويوفي جزاؤها.

{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } استعجالَ إنكارٍ واستهزاءٍ، كانُوا يقولونَ متى هيَ ليتها قامتْ حَتَّى يظهرَ لنا الحقُّ أهُو الذي نحنُ عليهِ أم الذي عليهِ محمدٌ وأصحابُه { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } خائفونَ منَها معَ اعتناءٍ بها لتوقعِ الثوابِ { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } أي الكائنُ لا محالةَ { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ } يجادلونَ فيها، منَ المرية أو من مَرَيتُ الناقةَ إذا مسحتُ ضَرعَها بشدةٍ للحلب لأنَّ كلاً من المتجادلينِ يستخرجُ ما عند صاحبهِ بكلامٍ فيه شدَّةٌ { لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ } عن الحقِّ فإن البعثَ أشبه الغائباتِ بالمحسوسات فمن لم يهتدِ إلى تجويزِه فهُو عن الاهتداءِ إلى ما وراءَهُ أبعدُ وأبعدُ.