التفاسير

< >
عرض

أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٩
وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
١٠
فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
١١
-الشورى

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } جملةٌ مستأنفةٌ مقربةٌ لما قبلَها من انتفاءِ أنْ يكونَ للظالمينَ ولي أو نصيرٌ وأمْ منقطعةٌ وما فيَها من بلْ للانتقال من بـيانِ ما قبلَها إلى بـيانِ ما بعدَها والهمزةُ لإنكارِ الوقوعِ ونفيِه على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه لا لإنكارِ الواقعِ واستقباحِه، قيلَ: إذِ المرادُ بـيانُ أنَّ ما فعلُوا ليسَ من اتخاذِ الأولياءِ في شيءٍ لأنَّ فرعُ كونِ الأصنامِ أولياءَ، وهو أظهرُ الممتنِعاتِ أيْ بلْ أتخذُوا متجاوزينَ الله أولياءَ من الأصنامِ وغيرِها هيهاتَ. وقولُه تعالَى { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِىُّ } جوابُ شرطٍ محذوفٍ، كإنَّه قيلَ بعدَ إبطالِ ولايةِ ما اتخذُوه أولياءَ إنْ أرادُوا ولياً في الحقيقةِ فالله هُو الوليُّ لا وليَّ سواهُ { وَهُوَ يُحْييِ ٱلْمَوْتَىٰ } أيْ ومن شأنِه ذلكَ { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } فهُو الحقيقُ بأنْ يتخذَ ولياً فليخصُّوه بالاتخاذِ دونَ من لا يقدرُ على شيءٍ.

{ وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْء } حكايةٌ لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنينَ أيْ وما خالفَكُم الكفارُ فيهِ منْ أمورِ الدِّينِ فاختلفتُم أنتمُ وهُم { فَحُكْمُهُ } راجعٌ { إِلَى ٱللَّهِ } وهو إثابةُ المحقِّينَ وعقابُ المُبطلينَ { ذٰلِكُمْ } الحاكمُ العظيمُ الشأنِ { ٱللَّهُ رَبّى } مالِكِي { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في مجامعِ أُمُورِي خاصَّة لاَ على غيرِه { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أرجعُ في كلِّ ما يَعنُّ لي منْ مُعضلاتِ الأمورِ لا إلى أحدٍ سواهُ وحيثُ كانَ التوكُّل أمراً واحداً مستمراً والإنابةُ متعددة متجددة حسب تجّدُدِ موادّهِا أُوثرَ في الأولِ صيغةُ الماضِي، وفي الثَّانِي صيغةُ المضارعِ، وقيلَ: وما اختلقتُم فيه وتنازعتُم في شيءٍ من الخصوماتِ فتحاكمُوا فيهِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولا تُؤثروا على حكومتِه حكومةَ غيرِه، وقيلَ: وما اختلفتُم فيه من تأويلِ واشتبَه عليكُم فارجِعوا في بـيانه إلى المحكمِ من كتابِ الله والظَّاهرِ من سُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقيلَ: وما وقعَ بـينكُم الخلافُ فيهِ من العلومِ التي تتعلقُ بتكليفِكم ولا طريقَ لكُم إلى علمِه فقولُوا الله أعلمُ كمعرفةِ الرُّوحِ ولا مساغَ لحملِ هذا على الاجتهادِ لعدمِ جوازِه بحضرةِ الرَّسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ { فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } خبرٌ آخرُ لذلكُم أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أو مبتدأ خبرُهُ { جَعَلَ لَكُمُ } وقُرِىءَ بالجرِّ على أنَّه بدلٌ منَ الضميرِ أو وصفٌ للاسمِ الجليلِ في قولِه تعالَى إلى الله وما بـينُهَما اعتراضٌ بـينَ الصفةِ والموصوفِ { مّنْ أَنفُسِكُمْ } من جنسِكم { أَزْوٰجاً } نساءً وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على المفعولِ الصريحِ قد مرَّ سرُّه غيرَ مرةٍ { وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ } أي وجعلَ للأنعامِ من جنْسِها { أَزْوٰجاً } أو خلقَ لكُم من الأنعامِ أصنافاً أو ذكوراً وإناثاً { يَذْرَؤُكُمْ } يكثّركم من الذرْءِ وهو البثُّ وفي معناهُ الذَّرو والذَّرُّ { فِيهِ } أي فيما ذُكِرَ من التدبـيرِ فإنَّ جعلَ الناسِ والأنعامِ أزواجاً يكونُ بـينَهم توالدٌ كالمنبعِ للبثِّ والتكثيرِ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } أي ليسَ مثلَه شيءٌ في شأنِ من الشؤونِ التي من جُمْلتِها هَذا التدبـيرُ البديـعُ والمراد من مثله ذاتُه كَما في قولِهم مثلُكَ لا يفعلُ كَذا على قصدِ المبالغةِ في نفيهِ عنهُ فإنَّه إذا نُفيَ عمَّن يناسبُه كانَ نفيُه عْنهُ أَوُلى ثمَّ سُلكتْ هذهِ الطريقةُ في شأنِ مَنْ لا مثلَ لهُ وقيلَ: مثلُه صفتُه أيْ ليسَ كصفتِه صفةٌ { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } المبالغُ في العلمِ بكلِّ ما يسمعُ ويُبصَرُ.