التفاسير

< >
عرض

أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ
٥٢
فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ
٥٣
فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٥٤
فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
٥٥
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ
٥٦
-الزخرف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ } معَ هذه المملكةِ والبسطةِ { مّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } ضعيفٌ حقيرٌ من المهانةِ، وهي القلةُ. { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أي الكلامَ قالَه افتراءً عليهِ عليه السَّلامُ تنقيصاً له عليهِ السَّلامُ في أعينِ النَّاسِ باعتبارِ ما كانَ في لسانِه عليهِ السَّلامُ من نوعِ رتةٍ وقد كانتْ ذهبتْ عنْهُ لقولِه تعالى: { { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ } [سورة طه، الآية 36] وأمْ إمَّا منقطعةٌ والهمزةُ للتقريرِ كأنَّه قالَ إثرَ ما عدَّدَ أسبابَ فضلِه ومبادِي خيريتِه أثبتَ عندكُم واستقرَّ لديكُم أنِّي أنَا خيرٌ وهذه حالِي منْ هَذا الخ وإمَّا متصلةٌ فالمَعْنى أفلاَ تْبصرونَ أمْ تبصرونَ خلا أنه وضعَ قولُه: { أَنَا خَيْرٌ } موضعَ تبصرونَ لأنَّهم إذا قالُوا له أنتَ خيرٌ فهُو عندَهُ بُصَراءُ، وهذا من بابِ تنزيلِ السبب منزلة المسبب، ويجوز أن يجعل من تنزيل المسبَّب منزلة السبب فإن إبصارِهم لما ذُكرَ من أسبابِ فضله سببٌ على زعمِه لحُكمِهم بخيريتهِ. { فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ } أي فهلاَّ أُلقي إليهِ مقاليدُ الملكِ إنْ كانَ صادقاً، لما أنَّهم كانُوا إذَا سوَّدُوا رجلاً سوَّرُوه وطوَّقُوه بطوقٍ من ذهبٍ. وأَسُوِرةٌ جمعُ سوارِ. وقُرِىءَ أَساورُ جمعُ أسورةٍ، وقُرِىءَ أساورةٌ جمعُ أسوارٍ بمعنى السِّوارِ على تعويضِ التاءِ من ياءِ أساويرَ، وقد قُرِىءَ كذلكَ، وقُرِىءَ عليه أسورةً وأساورَ، على البناءِ للفاعلِ وهُو الله تعالَى: { أَوْ جَاء مَعَهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } مقرونينَ يعينونَهُ أو يصدقونَهُ من قرنتُه به فاقترنَ أو متقارنينَ من اقترنَ بمعنى تقارنَ. { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ } فاستفزَّهُم وطلبَ منهُم الخفةَ في مطاوعتِه، أو فاستخفَّ أحلامَهُم. { فَأَطَاعُوهُ } فيما أمرَهُم به { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } فلذلكَ سارعُوا إلى طاعةِ ذلكَ الفاسقِ الغويِّ.

{ فَلَمَّا ءاسَفُونَا } أي أغضبونا أشدَّ الغضبِ، منقولٌ منْ أَسِفَ إذا اشتدَّ غضبُه. { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } في اليمِّ. { فَجَعَلْنَـٰهُمْ سَلَفاً } قدوةً لمن بعدَهُم من الكُفَّارِ يسلكونَ مسلكَهُم في استيجابِ مثلِ ما حلَّ بهم من العذابِ، وهُو إما مصدرٌ نُعتَ بهِ أو جمعُ سالفٍ كخَدَمٍ جمعُ خادمٍ. وقُرِىءَ بضمِّ السينِ واللامِ، على أنَّه جمعُ سليفٍ أي فريقٍ قد سلفَ كرُغُفٍ أو سَالِفٍ كصُبُرٍ أو سَلَفٍ كأسدٍ. وقُرِىءَ سُلَفاً بإبدالِ ضمةِ اللامِ فتحةً أو على أنَّه جمعُ سُلْفةٍ أي ثُلَّةٍ قد سلفتْ. { وَمَثَلاً لّلأَخِرِينَ } أي عظةً لهم أو قصةً عجيبةً تسيرُ مسيرَ الأمثالِ لَهُم فيقالُ: مثلُكم مثلُ قومِ فرعونَ.