التفاسير

< >
عرض

مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١٥
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ
١٦
وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٧
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨
إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ
١٩
هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٢٠
-الجاثية

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } لا يكادُ يسري عملٌ إلى غيرِ عاملِه. { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ } مالكِ أمورِكم { تُرْجَعُونَ } فيجازيكُم على أعمالِكم خيراً كانَ أو شراً { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراةَ { وَٱلْحُكْمَ } أي الحكمةَ النظريةَ والعمليةَ والفقهَ في الدِّينِ أو فصلَ الخصومات بـينَ النَّاسِ إذْ كانَ الملكُ فيهم. { وَٱلنُّبُوَّةَ } حيثُ كثُرَ فيهم الأنبـياءُ ما لم يكثرْ في غيرِهم { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } مما أحلَّ الله تعالى من اللذائذِ كالمنِّ والسلوى { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ } حيث آتيناهُم ما لم نؤتِ من عَداهُم من فلقِ البحرِ وإظلالِ الغمامِ ونظائرِهما وقيلَ: على عالَمِي زمانِهم { وَءاتَيْنَـٰهُم بَيّنَـٰتٍ مّنَ ٱلأَمْرِ } دلائلَ ظاهرةً في أمرِ الدينِ ومعجزاتٍ قاهرةً وقال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما هو العلمُ بمبعثِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم وما بـين لهُم من أمرِه وأنَّه يُهاجرُ من تِهامةَ إلى يثربَ ويكونُ أنصارُه أهلَ يثربَ. { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ } في ذلك الأمرِ { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } بحقيقتِه وحقِّيتهِ فجعلُوا ما يوجبُ زوالَ الخلافِ مُوجباً لرسوخهِ { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي عداوةً وحسداً لا شكاً فيه { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } بالمُؤاخذةِ والجَزَاءِ { فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من أَمْرِ الدِّينِ.

{ ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ } أي سنةٍ وطريقةٍ عظيمةِ الشَّأْنِ { مِنَ ٱلأَمْرِ } أي أمرِ الدينِ { فَٱتَّبِعْهَا } بإجراءِ أحكامِها في نفسِك وفي غيرِك من غيرِ إخلالِ بشيءٍ منَها { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي آراءَ الجهلةِ واعتقاداتِهم الزائغةَ التابعةَ للشهواتِ وهم رؤساءُ قريشٍ كانُوا يقولونَ له عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ارجعْ إلى دينِ آبائِك { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } مما أرادَ بكَ إن اتبعتَهُم { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } لا يوُاليهم ولا يتبعُ أهواءَهُم إلا من كانَ ظالماً مثلَهم { وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين أنتَ قدوتُهم فدُمْ على ما أنتَ عليهِ من تولّيه خَاصَّة والإعراضِ عمَّا سواهُ بالكُلِّيةِ. { هَـٰذَا } أي القرآنُ أو اتباعُ الشريعةِ { بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } فإنَّ ما فيهِ من معالمِ الدينِ وشعائرِ الشرائعِ بمنزلةِ البصائرِ في القلوبِ { وَهَدَىٰ } منْ ورطةِ الضلالةِ { وَرَحْمَةً } عظيمةٌ { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } منْ شأنِهم الإيقانُ بالأمورِ.