التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ
١١
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ
١٢
-الأحقاف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } حكايةٌ لبعضٍ آخرَ من أقاويلِهم الباطلةِ في حقِّ القُرآنِ العظيمِ والمؤمنينَ بهِ، أي قالَ كُفَّارُ مكةَ. { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي لإجلِهم { لَّوْ كَانَ } أي ما جاءَ به عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منَ القرآنِ والدينِ { خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } فإنَّ معاليَ الأمورِ لا ينالُها أَيْدِي الأراذلِ، وهُم سُقَّاطُ، عامَّتُهم فقراءُ ومَوالٍ ورعاةٌ قالُوه زعماً منهم أنَّ الرياسةَ الدينيةَ مما يُنالُ بأسبابٍ دنيويةٍ كَما قالُوا لولا نُزِّل هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتينِ عظيمٍ، وزلَّ عنْهم أنَّها منوطةٌ بكمالاتٍ نفسانيةٍ وملكاتٍ رُوحانيةٍ مبناهَا الإعراضُ عن زخارفِ الدُّنيا الدنيةِ والإقبالُ على الآخرةِ بالكليةِ وأنَّ من فازَ بها فقد جازَها بحذافيرِها ومنْ حُرمها فَما لَهُ منها من خَلاقٍ، وقيلَ: قالَه بنُو عامرٍ وغطفانُ وأسدٌ وأشجعُ لما أسلمَ جهينةُ ومزينةُ وأسلمُ وغفارُ، وقيلَ: قالتْهُ اليهودُ حين أسلمَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلاَمٍ وأصحابُه، ويأباهُ أنَّ السورةَ مكيةٌ ولا بُدَّ حينئذٍ من الالتجاءِ إلى إدعاءِ أنَّ الآيةَ نزلتْ بالمدينةِ.

{ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } ظرفٌ لمحذوفٍ يدلُّ عليهِ ما قبلَهُ ويترتبُ عليهِ ما بعدَهُ أيْ وإذ لم يهتدُوا بالقُرآنِ قالُوا ما قالُوا { فَسَيَقُولُونَ } غيرَ مكتفينَ بنفي خيريّتهِ { هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } كما قالُوا أساطيرُ الأولينَ، وقيلَ المحذوفُ ظهرَ عنادُهم وليسَ بذاكَ. { وَمِن قَبْلِهِ } أي منْ قبلِ القُرآنِ وهو خبرٌ لقولِه تعالى { كِتَابُ مُوسَىٰ } قيلَ: والجملةُ حاليةٌ أو مستأنفةٌ، وأيَّا ما كانَ فهو لردِّ قولِهم هذا إفكٌ قديمٌ وإبطالِه، فإنَّ كونَهُ مُصدقاً لكتابِ مُوسى مقرر لحقِّيتهِ قطعاً. { إَمَامًا وَرَحْمَةً } حالانِ من كتابِ مُوسى أي إماماً يُقتدَى به في دينِ الله تعالى وشرائعِه كما يُقتدى بالإمامِ ورحمةً من الله تعالى لمن آمنَ به وعملَ بموجبهِ { وَهَـٰذَا } الذي يقولونَ في حقِّه ما يقولونَ { كِتَابٌ } عظيمٌ الشأنِ { مُّصَدّقُ } أي لكتابِ مُوسى الذي هو إمامٌ ورحمةٌ أو لِما من بـين يديهِ من جميعِ الكتبِ الإلهيةِ. وقد قُرِىءَ كذلكَ { لّسَاناً عَرَبِيّاً } حالٌ من ضميرِ الكتابِ في مصدقٌ أو من نفسِه لتخصصهِ بالصفةِ وعاملُها معنى الإشارةِ، وعلى الأولِ مصدقٌ وقيلَ: مفعولٌ لمصدقٌ أي يصدقُ ذا لسانٍ عربـيَ. { لّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } متعلقٌ بمصدقٌ وفيه ضميرُ الكتابِ أو الله تعالى أو الرسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ويؤيدُ الأخيرَ القراءةُ بتاءِ الخطابِ { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } في حيزِ النصبِ عطفاً على محل لينذرَ وقيل: في محلِ الرفعِ على أنَّه خبرُ مبتدأٍ مضمرٍ أي وهو بُشرى وقيلَ: على أنَّه عطفٌ على مصدقٌ.