التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٣٤
فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٣٥
-الأحقاف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } ظرفٌ عاملُه قولٌ مضمرٌ، مقولُه { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقّ } على أنَّ الإشارةَ إلى ما يشاهدونَهُ حينئذٍ من حيثُ هو من غيرِ أنْ يخطرَ بالبالِ لفظٌ يدلُّ عليهِ فضلاً عن تذكيرِه وتأنيثِه إذ هُو اللائق بتهويلهِ وتفخيمِه وقد مرَّ في سورةِ الأحزابِ، وقيل: هيَ إلى العذابِ وفيه تهكمٌ بهم وتوبـيخٌ لهم على استهزائِهم بوعدِ الله ووعيدِه وقولِهم وما نحنُ بمعذبـينَ { قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبّنَا } أكَّدُوا جوابَهُم بالقسمِ كأنَّهم يطمعونَ في الخلاصِ بالاعترافِ بحقِّيتها كما في الدُّنيا وأنَّى لهُم ذلكَ. { قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } بها في الدُّنيا ومَعْنى الأمرِ الإهانةُ بهم والتوبـيخُ لهم. والفاءُ في قولِه تعالى: { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } جوابُ شرطٍ محذوفٍ أيْ إذا كان عاقبةُ أمرِ الكفرةِ ما ذُكِرَ فاصبرْ على ما يصيبكَ من جهتِهم كما صبرَ أولُو الثباتِ والحزمِ من الرسلِ فإنكَ من جُمْلتِهم بل من علْيتِهم ومِنْ للتبـيـينِ، وقيل: للتبعيضِ، والمرادُ بأُولي العزمِ أصحابُ الشرائعِ الذينَ اجتهدُوا في تأسيسِها وتقريرِها وصبرُوا على تحملِ مشاقِّها ومعاداةِ الطاعنينَ فيَها، ومشاهيرُهُم نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعِيْسَى عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقيلَ: هم الصابرونَ على بلاءِ الله كنوحٍ صبرَ على أذيةِ قومِه، كانُوا يضربونَهُ حتى يُغشَى عليهِ، وإبراهيمُ صبرَ على النَّارِ وعلى ذبحِ ولدِه، والذبـيحُ على الذبحِ، ويعقوبُ على فقدِ الولدِ والبصرِ، ويوسفُ على الجُبِّ والسجنِ، وأيوبُ على الضُرِّ، ومُوسى قال له قومُه: { { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ } [سورة الشعراء، الآية 61]، وداودُ بكى على خطيئتِه أربعينَ سنةً، وعيْسَى لم يضع لبنةً على لبنةٍ صلواتُ الله تعالَى وسلامُه عليهم أجمعينَ.

{ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } أي لكُفَّارِ مكةَ بالعذابِ فإنَّه على شرفِ النزولِ بهم { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } من العذابِ { لَّمْ يَلْبَثُواْ } في الدُّنيا { إِلاَّ سَاعَةً } يسيرةً { مّن نَّهَارٍ } لما يشاهدونَ من شدةِ العذابِ وطولِ مدتهِ. وقولُه تعالى { بَلاَغٌ } خبرٌ مبتدأٍ محذوفٍ، أي هَذا الذي وُعظتم بهِ كفايةٌ في الموعظةِ أو تبليغٌ من الرسولِ ويُؤيدُه أنَّه قُرِىءَ بلغ، وقُرِىءَ بلاغاً أي بلغُوا بلاغاً { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } أي الخارجونَ عن الاتِّعاظِ أو عن الطاعةِ. وقُرِىءَ بفتحِ الياءِ وكسرِ اللامِ، وبفتحِهما، منْ هَلِكَ وهَلَكَ، وبنونِ العظيمةِ من الإهلاكِ ونصبِ القومِ ووصفِه.

عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " "مَنْ قرأَ سورةَ الأحقافِ كُتبَ له عشرُ حسناتٍ بعددِ كلِّ رملةٍ في الدُّنيا" .