التفاسير

< >
عرض

طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ
٢١
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ
٢٢
-محمد

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } كلامٌ مستأنفٌ أي أمرُهم طاعةٌ الخ. أو طاعةٌ وقولٌ معروفٌ خيرٌ لهم، أو حكايةٌ لقولِهم، ويؤيدُه قراءةُ أُبـي: يقولونَ طاعةٌ وقولٌ معروفٌ أي أمرُنا ذلكَ { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } أَسندَ العزمَ وهو الجِدُّ إلى الأمرِ وهو لأصحابِه مجازاً كما في قولِه تعالى: { { إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأمُورِ } [سورة لقمان، الآية 17]. وعاملُ الظرفِ محذوفٌ أي خالَفُوا وتخلَّفُوا وقيلَ ناقضُوا وقيل كرِهُوا وقيلَ هُو قولُه تعالى:

{ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ } على طريقةِ قولِك إذا حضرني طعامٌ فلو جئتني لأطعمتُكَ أي فلو صدقُوه تعالى فيما قالُوا من الكلامِ المنبىءِ عن الحرصِ على الجهادِ بالجري على موجبهِ. { لَكَانَ } أي الصدقُ { خَيْراً لَّهُمْ } وفيه دلالةٌ على اشتراكِ الكلِّ فيما حُكِيَ عنهم من قولِه تعالى: { { لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ } [سورة محمد، الآية 20] وقيل: فلو صدقُوه في الإيمانِ وواطأتْ قلوبُهم في ذلك ألسنتَهُم، وأيَّاً ما كان فالمرادُ بهم الذين في قلوبِهم مرضٌ وهم المخاطبون بقولِه تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } الخ بطريقِ الالتفاتِ لتأكيدِ التوبـيخِ وتشديدِ التقريعِ أي هل يُتوقعُ منكم { إِن تَوَلَّيْتُمْ } أمورَ الناسِ وتأمَّرتُم عليهم { أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ } تناحراً على المُلك وتهالُكاً على الدُّنيا فإن من شاهدَ أحوالَكم الدالَّةَ على الضعفِ في الدِّينِ والحرصِ على الدُّنيا حينَ أُمرتُم بالجهادِ الذي هو عبارةٌ عن إحرازِ كلِّ خيرٍ وصلاحٍ ودفعِ كلِّ شرَ وفسادٍ وأنتم مأمورون شأنُكم الطاعةُ والقولُ المعروفُ يتوقعُ منكم إذا أطلقتْ أعِنّتُكم وصرتُم آمرين ما ذكر من الإفسادِ وقطعِ الأرحامِ. وقيل: إن أعرضتُم عن الإسلامِ أنْ ترجعوا إلى ما كنتُم عليه في الجاهليةِ من الإفسادِ في الأرضِ بالتغاورِ والتناهبِ وقطعِ الأرحامِ بمقاتلةِ بعضِ الأقاربِ بعضاً ووأدِ البناتِ، وفيه أن الواقعَ في حيزِ الشرطِ في مثلِ هذا المقامِ لا بد أن تكون محذوريتُه باعتبارِ ما يستتبعُه من المفاسدِ لا باعتبارِ ذاتِه، ولا ريبَ في أنَّ الإعراضَ عن الإسلامِ رأسُ كلِّ شرَ وفسادٍ فحقُّه أنْ يجعلَ عمدةً في التوبـيخِ لا وسيلةً للتوبـيخِ بما دونَهُ من المفاسدِ. وقُرِىءَ وُلِّيتُم على البناءِ للمفعولِ أي جُعلتْم ولاةً، وقُرِىءَ تُولِّيتُم أي تولاَّكُم ولاةُ جورٍ خرجتُم معهُم وساعدتمُوهم في الإفسادِ وقطيعةِ الرحمِ. وقُرِىءَ وتَقطَّعُوا من التقطُّعِ بحذفِ إحدى التاءينِ، فانتصابُ أرحامَكم حينئذٍ على نزعِ الجارِّ أي في أرحامِكم. وقُرِىءَ وتَقْطَعُوا منَ القطعِ. وإلحاقُ الضميرِ بعسَى لغةُ أهلِ الحجازِ، وأمَّا بنُو تميمٍ فيقولونَ عسى أنْ تفعلَ وعسى أنْ تفعلُوا.