التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ
٣٤
فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
٣٥
إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ
٣٦
إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ
٣٧
هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم
٣٨
-محمد

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } حكمٌ يعمُّ كلَّ مَن ماتَ على الكُفر وإنْ صحَّ نزولُه في أصحابِ القَليبِ.

{ فَلاَ تَهِنُواْ } أي لا تضعُفوا { وَتَدْعُواْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } أي ولا تدْعوا الكفارَ إلى الصلحِ خَوَراً فإنَّ ذلك إعطاءُ الدنيَّةِ. ويجوزُ أن يكونَ منصوباً بإضمارِ أنْ على جوابِ النَّهي. وقُرِىءَ ولا تدَّعُوا من ادَّعى القومُ بمعنى تَدَاعَوا نحوُ ارتَموا الصيدَ وتَرَامَوهُ ومنه تراءَوا الهلالَ فإنَّ صيغةَ التفاعلِ قد يُرادُ بها صدورُ الفعلِ عن المتعددِ من غير اعتبار وقوعِه عليه. ومنه قولُه تعالى: { { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } [سورة النبأ، الآية 1] على أحدِ الوجهينِ. والفاءُ لترتيبِ النَّهي على ما سبقَ من الأمرِ بالطَّاعةِ. وقولُه تعالى: { وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ } جملةٌ حاليةٌ مقررةٌ لمعنى النَّهي مؤكدةٌ لوجوبِ الانتهاءِ، وكذا قولُه تعالى: { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } فإنَّ كونَهمُ الأعلينَ وكونَهُ عزَّ وجلَّ ناصرَهُم من أَقْوى موجباتِ الاجتنابِ عمَّا يُوهم الذلَّ والضراعةَ وكذا توفيتُه تعالى لأجور الأعمال حسبما يُعربُ عنه قولُه تعالى: { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ } أيْ ولن يضيَّعها من وتَرتَ الرجلَ إذا قتلتَ له قتيلاً من ولدٍ أو أخٍ أو حميمٍ فأفردَتُه عنه من الوترِ الذي هُو الفردُ. وعُبِّرَ عن تركِ الإثابةِ في مقابلةِ الأعمالِ بالوترِ الذي هو إضاعةُ شيءٍ معتدَ به من الأنفس والأموال مع أن الأعمال غير موجبة للثواب على قاعدة أهل السَّنَّةِ إبرازاً لغايةِ اللطفِ بتصويرِ الثوابِ بصورةِ الحقِّ المستحقِّ وتنزيلِ تركِ الإثابةِ منزلةَ إضاعةِ أعظمِ الحقوقِ وإتلافِها، وقد مرَّ في قولِه تعالى: { { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } [سورة آل عمران، الآية 195].

{ إِنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } لا ثباتَ لها ولا اعتدادَ بها { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } أي ثوابَ إيمانِكم وتقواكم من الباقياتِ الصالحاتِ التي يتنافسُ فيها المتنافسونَ. { وَلاَ يَسْـئَلْكُمْ أَمْوٰلَكُمْ } بحيثُ يخلُّ أداؤُها بمعاشِكم، وإنما اقتصرَ على نَزْرٍ يسيرٍ منَها هُو ربعُ العُشرِ تُؤدونَها إلى فقرائِكم. { ؤإِن يَسْـئَلْكُمُوهَا } أي أموالَكم { فَيُحْفِكُمْ } أي يُجهدْكُم بطلبِ الكلِّ فإن الإحفاءَ والإلحافَ المبالغةُ وبلوغُ الغايةِ، يقالُ أحفَى شاربَهُ إذا استأصلَهُ، { تَبْخَلُواْ } فلا تُعطُوا { وَيُخْرِجْ أَضْغَـٰنَكُمْ } أي أحقادَكُم. وضميرُ يُخرج لله تعالى ويعضدُه القراءةُ بنونِ العظمةِ، أو للبخلِ لأنه سببُ الأضغانِ، وقُرِىءَ يَخرجُ من الخروجِ بالياءِ والتاءِ مُسنَداً إلى الأضغانِ.

{ هَآ أَنتُمْ هَـٰؤُلاء } أي أنتُم أيها المخاطبونَ هؤلاء الموصوفونَ. وقولُه تعالى: { تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } استئنافٌ مقررٌ لذلكَ أو صلةٌ لهؤلاءِ على أنَّه بمَعْنى الذينَ، أي هَا أنتُم الذين تُدعَونَ ففيهِ توبـيخٌ عظيمٌ وتحقيرٌ مَنْ شأنِهم. والإنفاقُ في سبـيلِ الله يعمُّ الغزوِ والزكاةَ وغيرَهُما. { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } أي ناسٌ يبخلونَ وهو في حيزِ الدليلِ على الشرطيةِ السابقةِ. { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } فإنَّ كلاًّ من نفعِ الإنفاقِ وضررِ البخلِ عائدٌ إليهِ، والبخلُ يستعملُ بعَنْ وعَلَى لتضمنِه معنى الإمساكِ والتعدِّي.

{ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ } دونَ مَنْ عَدَاهُ. { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء } فما يأمرُكم بهِ فهُو لاحتياجِكم إلى ما فيهِ من المنافعِ فإن امتثلتُم فلكُم وإنْ توليتُم فعليكُم. وقولُه تعالى: { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } عطفٌ على إِنْ تؤمنُوا أي وإنْ تعرضوا عن الإيمانِ والتَّقوى { يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } يُخلفُ مكانَكُم قوماً آخرينَ { ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } في التولِّي عن الإيمانِ والتَّقوى بل يكونُوا راغبـينَ فيهما. قيل: هُم الأنصارُ، وقيل: الملائكةُ، وقيل: أهلُ فارسَ؛ لما رُويَ " أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سُئلَ عن القومِ وكانَ سلمانُ إلى جنبِه فضربَ على فخِذه فقالَ: هذا وقومُه والذي نفِسي بـيدِه لو كانَ الإيمانُ مَنوطاً بالثُّريا لتناولَه رجالٌ من فارسٍ" ، وقيل: كِنْدةُ والنَّخَعُ، وقيل: العجمُ، وقيل: الرومُ.

عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قرأَ سورةَ محمدٍ كانَ حقَّاٌ على الله عَزَّ وجلَّ أن يسقيَه مِنْ أنهارِ الجَنَّةِ" .