التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٣
-المائدة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } شروع في بـيان كفر طائفةٍ أخرى منهم، ومعنى قولهم: ثالثُ ثلاثةٍ ورابع أربعة ونحو ذلك أحدُ هذه الأعداد مطلقاً لا الثالثُ والرابعُ خاصة، ولذلك منع الجمهور أن ينصِبَ ما بعده بأن يقال: ثالثٌ ثلاثةً ورابعٌ أربعةً، وإنما ينصبه إذا كان ما بعده دونه بمرتبة، كما في قولك: عاشرٌ تسعةً وتاسعٌ ثمانيةً، قيل: إنهم يقولون إن الإلٰهيةَ مشتركة بـين الله سبحانه وتعالى وعيسى ومريم، وكلُّ واحد من هؤلاء إلٰه، ويؤكده قوله تعالى: { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [المائدة، الآية 116] فقوله تعالى: { ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } أي أحد ثلاثةِ آلهة، وهو المتبادر من ظاهر قوله تعالى: { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } أي والحال أنه ليس في الوجود ذاتُ واجبٍ مستحق للعبادة من حيث إنه مبدأُ جميعِ الموجودات إلا إلٰهٌ موصوفٌ بالوحدانية متعالٍ عن قَبول الشِرْكة، و(مِنْ) مزيدة للاستغراق، وقيل: إنهم يقولون: الله جوهرٌ واحدٌ ثلاثةُ أقانيمَ، أقنومُ الأب وأقنومُ الابن وأقنومُ روح القدس، وإنهم يريدون بالأول الذات وقيل: الوجود، وبالثاني العِلْم، وبالثالث الحياة، فمعنى قوله تعالى: { { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } [المائدة، الآية 73] إلا إلٰه واحد بالذات، منزه عن شائبةِ التعدد بوجهٍ من الوجوه.

{ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ } من الكفر الشنيع ولم يوحّدوا، وقوله تعالى: { لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } جوابُ قسمٍ محذوف سادٌّ مسد جواب الشرط، أي وبالله إن لم ينتهوا ليمسنهم، وإنما وُضع موضعَ ضميرِ (هم) الموصولُ لتكرير الشهادة عليهم بالكفر (فمن)، في قوله تعالى: { مِنْهُمْ } بـيانية، أي ليمسن الذين بقُوا منهم على ما كانوا عليه من الكفر فمن تبعيضية، وإنما جيء بالفعل المنبىء عن الحدوث تنبـيهاً على أن الاستمرار عليه ـ بعد ورود ما يُنحىٰ عليه بالقلع عن نص عيسى عليه السلام وغيره ـ كفرٌ جديد وغلوٌّ زائد على ما كانوا عليه من أصل الكفر { عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي نوع شديد الألم من العذاب، وهمزة الاستفهام في قوله تعالى: