التفاسير

< >
عرض

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩٦
-المائدة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أُحِلَّ لَكُمُ } الخطاب للمُحْرمين { صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } أي ما يصاد في المياه كلها بحراً كان أو نهراً أو غديراً، وهو ما لا يعيش إلا في الماء مأكولاً أو غير مأكول { وَطَعَامُهُ } أي وما يُطْعَم من صيده، وهو تخصيص بعد تعميم والمعنى أحل لكم التعرّضُ لجميع ما يصاد في المياه والانتفاعُ به، وأكلُ ما يؤكل منه وهو السمك عندنا، وعند ابن أبـي ليلى جميعُ ما يصاد فيه، على أن تفسير الآية عنده أحل لكم صيدُ حيوانِ البحر وأن تَطْعَموه، وقرىء (وطُعْمه)، وقيل: صيدُ البحر ما صيد فيه، وطعامُه ما قذفه أو نَضَب عنه { مَتَـٰعاً لَّكُمْ } نُصِب على أنه مفعول له مختص بالطعام كما أن (نافلة) في قوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } [الأنبياء، الآية 72] حالٌ مختصة بـيعقوبَ عليه السلام، أي أحل لكم طعامه تمتيعاً للمقيمين منكم يأكلونه طرياً { وَلِلسَّيَّارَةِ } منكم يتزودونه قَديداً، وقيل: نُصب على أنه مصدر مؤكِّد لفعل مقدر، أي متّعكم به متاعاً، وقيل: مؤكد لمعنى (أُحل لكم) فإنه في قوة متّعكم به تمتيعاً كقوله تعالى: { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [النساء، الآية 24] { وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرّ } وقرىء على بناء الفعلِ للفاعل ونصْبِ (صيدَ البر)، وهو ما يُفْرِخُ فيه وإن كان يعيش في الماء في بعض الأوقات كطير الماء { مَا دُمْتُمْ حُرُماً } أي محرمين، وقرىء بكسر الدال من دامَ يدامُ، وظاهرُه يوجب حرمة ما صاده الحَلالُ على المُحرم وإن لم يكن له مَدْخلٌ فيه، وهو قول [ابن] عمرَ وابن عباس رضي الله عنهم. وعن أبـي هريرة وعطاءٍ ومجاهدٍ وسعيدِ بنِ جُبـير رضي الله عنهم أنه يحلُّ له أكلُ ما صاده الحلالُ وإن صاده لأجله إذا لم يُشِرْ إليه ولم يُدلَّ عليه، وكذا ما ذبحه قبل إحرامِه وهو مذهبُ أبـي حنيفة، لأن الخِطاب للمحرمين، فكأنه قيل: وحرم عليكم ما صِدتُّم في البر فيَخرُج منه مَصيدُ غيرهم، وعند مالك والشافعي وأحمد لا يباح ما صِيدَ له { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيما نهاكم عنه أو في جميع المعاصي التي من جملتها ذلك { ٱلَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } لا إلى غيره حتى يُتَوهَّمَ الخلاصُ من أخذه تعالى بالالتجاء إليه.