التفاسير

< >
عرض

وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ
٩
وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ
١٠
رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ
١١
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ
١٢
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ
١٣

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالَى: { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء مُّبَـٰرَكاً } أيْ كثيرَ المنافعِ، شروعٌ في بـيانِ كيفيةِ إنباتِ ما ذكرَ منْ كُلِّ زوجٍ بهيجٍ وهو عطفٌ على أنبتنا وما بـينهمَا على الوجهِ الأخيرِ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ ومنبهٌ على ما بعدَهُ { فَأَنبَتْنَا بِهِ } أيْ بذلكَ الماءِ { جَنَّـٰتٍ } كثيرةً أيْ أشجاراً ذواتِ ثمارٍ { وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } أي حبَّ الزرعِ الذي شأنُه أنْ يُحصدَ من البُرِّ والشعيرِ وأمثالِهما، وتخصيصُ إنباتِ حبِّه بالذكرِ لأنُه المقصودُ بالذاتِ { وَٱلنَّخْلَ } عطفٌ على جناتٍ. وتخصيصُها بالذكرِ معَ اندراجِها في الجناتِ لبـيانِ فضلِها على سائرِ الأشجارِ وتوسيطُ الحبِّ بـينهما لتأكيدِ استقلالِها وامتيازِها عنِ البقيةِ معَ ما فيهِ منْ مُراعاةِ الفواصلِ { بَـٰسِقَـٰتٍ } أيْ طوالاً أو حواملَ منْ أبسقتِ الشاةُ إذَا حملتْ فيكونُ منْ بابِ أفعلَ فهو فاعلٌ وقرىءَ باصقاتٍ لأجلِ القافِ { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } أيْ منضودٌ بعضُه فوقَ بعضٍ، والمرادُ تراكُم الطلعِ أو كثرةُ ما فيهِ منَ الثمرِ، والجملةُ حالٌ من النخلِ كباسقاتٍ بطريقِ الترادفِ أو منْ ضميرِها في باسقاتٍ عَلى التداخلِ، أو: الحالُ هو الجارُّ والمجرورُ وطلعٌ مرتفعٌ بهِ عَلى الفاعليةِ وقولُه تعالىَ:

{ رّزْقاً لّلْعِبَادِ } أيْ لنرزقَهُم،، علةٌ لقولِه تعالَى فأنبتنا وفي تعليلهِ بذلكَ بعدَ تعليلِ أنبتنَا الأولِ بالتبصرةِ والتذكيرِ تنبـيهٌ على أنَّ الواجبَ على العبدِ أنْ يكونَ انتفاعُهُ بذلكَ من حيثُ التذكرُ والاستبصارُ أهمَّ وأقدمَ من تمتعِه بهِ منْ حيثُ الرزقُ، وقيلَ رزقاً مصدرٌ منْ مَعْنى أنبتنَا لأنَّ الإنباتَ رزقٌ { وَأَحْيَيْنَا بِهِ } أيْ بذلكَ الماءِ { بَلْدَةً مَّيْتاً } أرضاً جدبةً لا نماءَ فيَها أَصْلاً بأنْ جعلناهَا بحيثُ ربتْ وأنتبتْ أنواعَ النباتِ والأزهارِ فصارتْ تهتزُ بَها بعدَ ما كانتْ جامدةً هامدةً، وتذكيرُ ميتاً لأنَّ البلدةَ بمعنى البلدِ والمكانِ { كَذٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ } جملةٌ قدمَ فيهَا الخبرُ للقصدِ إلى القصرِ وذلكَ إشارةٌ إلى الحياةِ المستفادةِ من الأحياءِ وما فيهِ من مَعْنى البعدِ للإشعارِ ببعدِ رتبتِها أيْ مثلَ تلكَ الحياةِ البديعةِ حياتُكم بالبعثِ منَ القبورِ لا شيءَ مخالفٌ لَها، وفي التعبـيرِ عنْ إخراجِ النباتِ منَ الأرضِ بالإحياءِ وعنْ حياةِ المَوْتى بالخروجِ تفخيمٌ لشأنِ الإنباتِ وتهوينٌ لأمرِ البعثِ وتحقيقٌ للمماثلةِ بـينَ إخراجِ النباتِ وإحياءِ المَوْتى لتوضيحِ منهاجِ القياسِ وتقريبهِ إلى أفهامِ الناسِ وقولُه تعالَى:

{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } إلخ استئنافٌ واردٌ لتقريرِ حقيةِ البعثِ ببـيانِ اتفاقِ كافةِ الرسلِ عليهم السلامُ عليَها وتعذيبِ مُنكريْها { وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسّ } قيلَ هُم ممنْ بعثَ إليهم شعيبٌ عليهِ السلامُ وقيلَ وقيلَ، كما مرَّ في سورةِ الفُرقانِ على التفصيلِ { وَثَمُودُ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ } أي هُوَ وقومُه ليلائمَ ما قبلَهُ وما بعدَهُ { وَإِخْوٰنُ لُوطٍ } قيلَ كانُوا من أصهارِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ.