التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
٣٠
وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
٣١
هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
٣٢

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } سؤالٌ وجوابٌ جيءَ بهمَا عَلى منهاجِ التمثيلِ والتخيـيلِ لتهويلِ أمرِهَا والمَعْنى أنَّها معَ اتِّساعِها وتباعدِ أقطارِها تطرحُ فيَها منَ الجِنَّةِ والنَّاسِ فوجاً بعدَ فوجٍ حَتَّى تمتلىء أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد محل فارغ، أو أنها لغيظِها عَلى العُصاةِ نطلبُ زيادتَهُم وقُرِىءَ يقولُ بالياءِ، والمزيدُ إمَّا مصدرٌ كالمحيدِ والمجيدِ أو مفعولٌ كالمبـيعِ ويومَ إمَّا منصوبٌ باذكُرْ أوْ أنذِرْ أوْ ظَرفٌ لنُفِخَ فيكونُ ذلكَ حينئذٍ إشارةٌ إليهِ منْ غيرِ حاجةٍ إلى تقديرِ مضافٍ أو لمقدرٍ مؤخرٍ أيْ يكونُ منَ الأحوالِ والأهوالِ ما يقصرُ عنْهُ المقالُ { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } شروعٌ في بـيانِ حالِ المؤمنينَ بعدَ النفخِ ومجيءِ النفوسِ إِلى موقفِ الحسابِ، وقدْ مرَّ سِرُّ تقديمِ بـيانِ حالِ الكفرةِ عليهِ وهو عطفٌ عَلى نُفِخَ أيْ قربتْ للمتقينَ عنِ الكفرِ والمعاصِي بحيثُ يشاهدُونَها من الموقفِ ويقفونَ عَلى ما فَيها من فنونِ المحاسنِ فيبتهجونَ بأنهُمْ محشورونَ إليَها فائزونَ بَها وقولُه تعالَى { غَيْرَ بَعِيدٍ } تأكيدٌ للإزلافِ أيْ مكاناً غيرَ بعيدٍ بحيثُ يشاهدُونَها أوْ حالُ كونِها غيرَ بعيدٍ أيْ شيئاً غيرَ بعيدٍ ويجوزُ أنْ يكونَ التذكيرُ لكونِه على زنةِ المصدرِ الذي يستوِي في الوصفِ بهِ المذكرُ والمؤنثُ أوْ لتأويلِ الجنةِ بالبستانِ.

{ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } إشارةٌ إِلى الجَنَّةِ، والتذكيرُ لَمَا أنَّ المشارَ إليهِ هُوَ المُسمَّى منْ غيرِ أنْ يخطرَ بالبالِ لفظٌ يدلُّ عليهِ فضلاً عنْ تذكيرِه وتأنيثِه فإنَّهُمَا منْ أحكامِ اللفظِ العربـيِّ كَما مرَّ في قولِه تعالَى: { { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبّى } [سورة الأنعام، الآية 78] وقولُه تعالَى: { { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } [سورة الأحزاب، الآية 22] ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ لتذكيرِ الخبرِ، وقيلَ: هُو إشارةٌ إلى الثوابِ وقيلَ: إلى مصدرِ أزلفتْ وقُرِىءَ يُوعَدُونَ والجملةُ إمَّا اعتراضٌ بـينَ البدلِ والمبدلِ مِنْهُ وإمَّا مقدرٌ بقولٍ هُوَ حالٌ منَ المتقينَ أو منَ الجنَّةِ والعاملُ أزلفتْ أيْ مقولاً لهُمْ أو مقولاً في حَقِّها هَذا ما توعدونَ { لِكُلّ أَوَّابٍ } أيْ رجّاع إلى الله تعالَى بدلٌ منْ المتقينَ بإعادةِ الجارِّ { حَفِيظٍ } حافظٌ لتوبتهِ من النقضِ وقيلَ: هُوَ الذَّي يحفظُ ذنوبَهُ حتَّى يرجعَ عنْهَا ويستغفرَ مِنْها وقيلَ: هُو الحافظُ لأوامرِ الله تعالَى وقيلَ: لِمَا استودَعَهُ الله تعالَى مِنْ حقوقِه.