التفاسير

< >
عرض

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
٣٧
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
٣٨
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ
٣٩
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ
٤٠
وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
٤١

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } أيْ فيمَا ذكرَ من قصتِهم وقيلَ: فيَما ذكرَ في السورةِ { لِذِكْرِى } لتذكرةً وعِظةً { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أيْ قلبٌ سليمٌ يدركُ به كُنْهَ ما يشاهدُه منِ الأمورِ ويتفكرُ فيَها كما ينبغِي فإنَّ مَنْ كانَ له ذلكَ يعلمُ أنَّ مدارَ دمارِهم هُو الكفرُ فيرتدعُ عَنْهُ بمجردِ مشاهدةِ الآثارِ من غيرِ تذكيرٍ { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } أيْ إلى مَا يُتلى عليهِ منَ الوَحْي الناطقِ بما جرَى عليهمْ فإنَّ منْ فعلَهُ يقفْ عَلى جليةِ الأمرِ فينزجرَ عَمَّا يؤدَّي إليهِ منَ الكفرِ، فكلمةُ أَوْ لمنعِ الخلوِّ دونَ الجمعِ فإنَّ إلقاءَ السمعِ لا يُجدِي بدونِ سلامةِ القلبِ كَما يلوحُ بهِ قولُه تعالَى { وَهُوَ شَهِيدٌ } أيْ حاضرٌ بفطنتهِ لأنَّ منْ لاَ يَحْضُرُ ذهنُهُ فكأنَّه غائبٌ، وتجريدُ القلبِ عما ذكرَ من الصفاتِ للإيذانِ بأنَّ منْ عُرِّيَ قلبُه عَنْهَا كمَنْ لاَ قلبَ لَهُ أصلاً.

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } منْ أصنافِ المخلوقاتِ { فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا } بذلكَ معَ كونِه ممَّا لا يَفِي بهِ القُوَى وَالقُدَرُ { مِن لُّغُوبٍ } مِنْ إعياءٍ مَا ولاَ تعبٍ في الجملةِ وهَذَا ردٌّ علَى جَهَلةِ اليهودِ في زعمِهم أنَّه تعالَى بدأَ خلقَ العالمِ يومَ الأحدِ وفرَغَ منْهُ يومَ الجمعةِ واستراحَ يومَ السبتِ واستلقَى على العرشِ، سبحانَهُ وتعالَى عَمَّا يقولونَ عُلوَّا كبـيراً { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } أيْ ما يقولُه المشركونَ في شأنِ البعثِ منَ الأباطيلِ المبنيةِ عَلى الإنكارِ والاستبعادِ فإنَّ مَنْ فعلَ هذهِ الأفاعيلَ بلا فتورٍ قادرٌ عَلى بعثِهم والانتقامِ منهُمْ أوْ ما يقولُه اليهودَ منْ مقالاتِ الكفرِ والتشبـيهِ { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } أيْ نَزِّهَهُ تعالَى عنِ العجزِ عَمَّا يمكُن وَعَنْ وقوعِ الخُلفِ في أخبارِهِ التي مِنْ جُمْلتها الإخبارُ بوقوعِ البعثِ وعنْ وصفهِ تعالَى بما يوجبُ التشبـيَه حَامداً له تعالَى عَلى ما أنعمَ به عليكَ من إصابةِ الحقِّ وغيرِهَا { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } هُمَا وقتُ الفجرِ والعصرِ وفضيلتُهما مشهورةٌ { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } وسَبِّحْهُ بعضَ الليلِ { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } وأعقابّ الصلواتِ جمعُ دُبُرٍ وقُرِىءَ بالكسرِ مِنْ أدبرتِ الصلاةُ إذَا انقضتْ وتمتْ ومعناهُ وقتُ انقضاءِ السجودِ وقيلَ: المرادُ بالتسبـيحِ الصلواتُ فالمَرادُ بما قبلَ الطلوعِ صلاةُ الفجرِ وبما قبلَ الغروبِ الظهرُ والعصرُ وبمَا مِنَ الليلِ العشاءانِ والتهجدُ ومَا يصلَّى بأدبار السجودِ النوافلُ بعدَ المكتوباتِ { وَٱسْتَمِعْ } أيْ لما يُوحَى إليكَ من أحوالِ القيامةِ، وفيهِ تهويلٌ وتفظيعٌ للمخَبرِ بهِ { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } أيْ إسرافيلُ أوْ جبريلُ عليهَما السلامُ فيقولُ أيتَها العظامُ الباليةُ واللحومُ المتمزقةُ والشعورُ المتفرقةُ إنَّ الله يأمركُنَّ أنْ تجتمعنَ لفصلِ القضاءِ وقيلَ: إسرافيلُ ينفخُ وجبريلْ يُنادِي بالحشرِ { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } بحيث يصلُ نداؤُه إِلى الكُلِّ عَلى سواءٍ وقيلَ: من صخرةِ بـيتِ المقدسِ وقيلَ: من تحتِ أقدامِهم وقيلَ من منابتِ شعورِهم يُسمَعُ منْ كُلِّ شعرةٍ ولعلَّ ذلكَ في الإعادةِ مثلُ كُنْ في البدءِ.