التفاسير

< >
عرض

قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ
٤
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ
٥
أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ
٦
وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٧
تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٨

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضَ مِنْهُمْ } رَدٌّ لاستبعادِهم وإزاحةٌ له فإنَّ منْ عمَّ علمُهُ ولطُفَ حَتَّى انتَهى إلى حيثُ علمَ ما تنقصُ الأرضُ من أجسادِ الموتَى وتأكلُ من لحومِهم وعظامِهم كيفَ يستبعدُ رجعُهُ إيَّاهمُ أحياءً كما كانُوا. عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم "كُلُّ ابن آدمٍ يبلَى إلا عجبَ الذنبِ" وقيلَ ما تنقصُ الأرضُ منُهمْ ما يموتُ فيدفنُ في الأرضِ منهم { وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ حَفِيظٌ } حافظٌ لتفاصيلِ الأشياءِ كُلِّها أو محفوظٌ من التغيرِ، والمرادُ إما تمثيلُ علمِه تعالَى بكلياتِ الأشياءِ وجزئياتِها بعلم مَنْ عندَه كتابٌ محيطٌ يتلقى منْهُ كُلَّ شيءٍ أو تأكيدٌ لعلمِه تعالَى بها بثبوتِها في اللوحِ المحفوطِ عندَهُ { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقّ } إضرابٌ وانتقالٌ منِ بـيانِ شناعتِهم السابقةِ إلى بـيانِ ما هُو أشنعُ منْهُ وأفظعُ وهو تكذيبُهم للنبوةِ الثابتةِ بالمعجزاتِ الباهرةِ { لَمَّا جَاءهُمْ } مِنْ غيرِ تأملٍ وتفكرٍ، وقُرِىءَ لِمَا جاءهُم بالكسرِ على أنَّ اللامَ للتوقيتِ أيْ وقتَ مجيئهِ إياهُم وقيلَ الحقُّ القرآنُ أو الإخبارُ بالبعثِ { فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ } أيْ مضطربٌ لاقرارَ لهُ، منْ مَرَجَ الخاتمُ في أصبعِه حيثُ يقولونَ تارةً إنَّه شاعرٌ وتارةً ساحرٌ وأخرَى كاهنٌ { أَفَلَمْ يَنظُرُواْ } أيْ أغفلُوا أو أَعمُوا فلمْ ينظرُوا { إِلَى ٱلسَّمَاء فَوْقَهُمْ } بحيثُ يشاهدونَها كلَّ وقتٍ { كَيْفَ بَنَيْنَـٰهَا } أيْ رفعناهَا بغيرِ عمدٍ { وَزَيَّنَّـٰهَا } بمَا فيهَا منَ الكواكبِ المرتبةِ على نظامٍ بديعٍ { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } منْ فتوقٍ لملاستِها وسلامتِها من كُلِّ عيبٍ وخللٍ، ولعل تأخيرَ هَذا لمراعاةِ الفواصلِ { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا } أي بسطناهَا { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوٰسِيَ } جبالاً ثوابتَ مِنْ رسَا الشيءُ إذَا ثبتَ والتعبـيرُ عنْهَا بهذَا الوصفِ للإيذانِ بأن إلقاءَها بإرساءِ الأرضِ بهَا { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ } منْ كُلِّ صنفٍ { بَهِيجٍ } حسنٍ.

{ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ } علتانِ للأفعالِ المذكورةِ مَعْنى وإنِ انتصبتَا بالفعلِ الأخيرِ أو لفعلٍ مقدرٍ بطريقِ الاستئنافِ أيْ فعلنَا ما فعلنَا تبصيراً وتذكيراً { لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أيْ راجعٍ إلى ربِّه منفكرٍ في بدائعِ صنائعِه.