التفاسير

< >
عرض

ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
١٤
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
١٥
آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ
١٦
كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
١٧
وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
١٨
وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ
١٩
وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ
٢٠
-الذاريات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } أيْ مقولاً لهمُ هَذا القولُ وَقولُه تعالَى { هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ داخلةٌ تحتَ القولِ المضمرِ أيْ هذَا ما كنتُم تستعجلونَ بهِ بطريقِ الاستهزاءِ ويجوزُ أنْ يكونَ هَذا بدلاً منْ فتنتِكم بتأويل العذابِ والذي صفتُه.

{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } لا يُبلُغ كُنهُها ولاَ يُقادرُ قَدْرُهَا { ءاخِذِينَ مَا ءاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } أي قابلينَ لما أعطاهُم راضينَ بهِ عَلَى مَعْنى أنَّ كُلَّ ما آتاهُم حسنٌ مَرضيٌّ يُتلقى بحسنِ القبولِ { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } في الدُّنيا { مُحْسِنِينَ } أيْ لأعمالِهم الصالحةِ آتينَ بَها عَلى ما ينبغي فلذلكَ نالُوا ما نالُوا منَ الفوزِ العظيمِ ومَعْنى الإحسانِ بالإجمالِ ما أشارَ إليهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بقولِه: "أنْ تعبدَ الله كأنَّكَ تراهُ فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّه يراكَ" وقَدْ فُسِّر بقولِه تعالَى.

{ كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } أيْ كانُوا يهجعونَ في طائفةٍ قليلةٍ منَ الليلِ على أنَّ قليلاً ظرفٌ أوْ كانُوا يهجعونَ هجوعاً قليلاً على أنَّه صفةٌ للمصدرِ ومَا مزيدةٌ في الوجهين ويجوز أن تكون مصدرية أو موصولة مرتفعة بقليلاً على الفاعلية أيْ كانُوا قليلاً منَ الليلِ هجوعُهم أوْ مَا يهجعونَ فيهِ، وفيهِ مبالغاتٌ في تقليلِ نومِهم واستراحتِهم ذكرُ القليلِ والليلِ الذي هُوَ وقتَ الراحةِ والهجوعِ الذي هُو الغرارُ منَ النومِ وزيادةُ مَا، ولا مساغَ لجعلِ ما نافيةً عَلى مَعْنى أنهُم لا يهجعونَ منَ الليلِ قليلاً بل يُحْيونَهُ كُلَّه لَما أنَّ مَا النافيةَ لا يعملُ ما بعدَهَا فيمَا قَبْلَها { وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أيْ هُم مع قلةِ هجوعِهم وكثرةِ تهجدِهمْ يداومونَ على الاستغفارِ في الأسحارِ كأنَّهم أسلفُوا ليلَهُم باقترافِ الجرائمِ، وفي بناءِ الفعلِ على الضميرِ إشعارٌ بأنَّهُم الأحقاءُ بأنْ يوصفُوا بالاستغفارِ كأنَّهم المختصونَ بهِ لاستدامتِهم لهُ وإطنابِهم فيهِ.

{ وَفِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ } أيْ نصيبٌ وافرٌ يستوجبونَهُ على أنفسِهم تقرباً إلى الله تعالى وإشفاقاً على النَّاسِ { لَّلسَّائِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } للمستجدِي والمتعففِ الذَّي يحسبُهُ النَّاسُ غنياً فيحرمُ الصدقة { وَفِى ٱلأَرْضِ ءايَـٰتٌ لّلْمُوقِنِينَ } أيْ دلائلُ واضحةٌ عَلى شؤونِه تعالَى عَلَى التفصيلِ منْ حيثُ إنَّها مدحوةٌ كالبساطِ الممهدِ وفَيها مسالكُ وفجاجٌ للمتقلبـينَ في أقطارِها والسالكينِ في مناكِبها وفَيها سهلٌ وجبلٌ وبرٌّ وقطعٌ متجاوراتٌ وعيونٌ متفجرةٌ ومعادنُ مفتنةٌ وأنها تلقحُ بألوانِ النباتِ وأنواعِ الأشجارِ وأصنافِ الثمارِ المختلفةِ الألوانِ والطعومِ والروائحِ وفَيها دوابُّ مُنبثةٌ قد رتبَ كلُّها ودبرَ لمنافعِ ساكنيِها ومصالحِهم فِي صحتِهم واعتلالِهم.