التفاسير

< >
عرض

وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ
٤٨
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٤٩
فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥١
كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٥٢
-الذاريات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَـٰهَا } مهدناهَا وبسطناهَا ليستقروا علَيها { فَنِعْمَ ٱلْمَـٰهِدُونَ } أيْ نحنُ { وَمِن كُلّ شَىْء } أيْ منَ الأجناسِ { خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } أيْ نوعينِ ذكراً وأُنثْى، وقيلَ متقابلينَ: السماءَ والأرضَ والليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والبرَّ والبحرَ ونحوَ ذلكَ { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي فعلنَا ذلكَ كُلَّه كي تتذكُروا فتعرفُوا أنَّه خالقُ الكُلِّ ورازقُه وأنَّه المستحقُّ للعبادةِ وأنَّه قادرٌ عَلى إعادةِ الجميعِ فتعملُوا بمقتضاهُ وقولُه تعالَى: { فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ } مقدرٌ لقولٍ خُوطبَ بهِ النبـيُّ صلى الله عليه وسلم بطريقِ التلوينِ. والفاءُ إما لترتيبِ الأمرِ عَلى ما حُكيَ من إثارِة غضبِه الموجبةِ للفرارِ منْهَا ومنْ أحكامِ رحمتِه المستدعيةِ للفرار إليَها، كأنَّه قيلَ قُلْ لَهُم إذَا كانَ الأمرُ كذلكَ فاهربُوا إلى الله الذَّي هذِه شؤونُه بالإيمانِ والطاعةِ كيْ تنجوا من عقابهِ وتفوزُوا بثوابِه، وَإِمَّا للعطفِ عَلى جُملةٍ مقدرةٍ مترتبةٍ عَلى قولِه تعالَى لعلَّكُم تذكرونَ كأنَّه قيلَ قُلْ لَهُم فتذكُروا ففرُّوا إلى الله الخ، وقولُه تعالَى: { إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } تعليلٌ للأمرِ بالفرارِ إليهِ تعالَى أو لوجوبِ الامتثالِ بهِ فإنَّ كونَهُ عليهِ الصَّلاةُ وَ السَّلامُ مُنذِراً منُهُ تعالَى موجبٌ عليهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ أنْ يأمرَهُم بالفرارِ إليهِ وعليهمْ أنْ يمتثلُوا بهِ أي إنِّي لكُم منَ جهتِه تعالَى منذرٌ بـينٌ كونُه منذراً منْهُ تعالَى أو مظهرٌ لما يجبُ إظهارُهُ منَ العذابِ المنذَرِ بهِ، وفي أمرِه تعالَى للرسولِ صلى الله عليه وسلم بأنْ يأمرَهُم بالهربِ إليهِ تعالَى منْ عقابِه وتعليلِه بأنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ينذرُهم منْ جهتِه تعالَى لا منْ تلقاءِ نفسِه. وعدٌ كريمٌ بنجاتِهم من المهروبِ وفوزِهم بالمطلوبِ وقولُه تعالَى: { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } نهيٌ موجبٌ للفرارِ منْ سببِ العقابِ بعدَ الأمرِ بالفرارِ منْ نفسِه كمَا يشعرُ بهِ قولُه تعالَى: { إِنّى لَكُمْ مّنْهُ } أيْ منَ الجعلِ المنهيِّ عنْهُ { نَذِيرٌ مُّبِينٌ } فإنَّ تعلقَ كلمةِ منْ بالإنذارِ معَ كونِ صلتِه الباءَ بتضمينِه معنْى الإفرارِ يقالُ فَرَّ منْهُ أيْ هربَ وأفرَّه غيرُهُ كأنَّه قيلَ وفِرُّوا منْ أنْ تجعلُوا معَهُ تعالَى اعتقاداً أَو قولاً إلهاً آخر وفيهِ تأكيدٌ لما قبلَهُ منَ الأمرِ بالفرارِ من العقابِ إليهِ تعالَى لكنْ لا بطريقِ التكريرِ كمَا قيلَ بَلْ بالنهي عنْ سببهِ وإيجابِ الفرارِ منْهُ.

{ كَذٰلِكَ } أي الأمرُ مثلَ ما ذكرَ منْ تكذيبِهم الرسولَ وتسميتِهم لَهُ ساحِراً أو مَجْنُوناً، وقولُه تعالَى: { مَا أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } الخ تفسيرٌ لهُ أيْ ما أتَاهُم { مِن رَّسُولٍ } مِنْ رسلِ الله { إِلاَّ قَالُواْ } في حَقَّه { سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } ولا سبـيلَ إِلى انتصابِ الكافِ بأَتَى لامتناعِ عملِ مَا بعدَ (مَا) النافيةِ فيمَا قبلَها.