التفاسير

< >
عرض

مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ
٥٧
إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ
٥٨
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ
٥٩
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ
٦٠
-الذاريات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } بـيانٌ لكَونِ شأنِه تعالَى معَ عبادهِ متُعالياً عنْ أنْ يكونَ كشأنِ السَّادِة معَ عبـيدِهم حيثُ يملكونَهُم ليستعينُوا بهمْ في تحصيلِ معايشهِم وتهيئةِ أرزاقِهم أيْ ما أريدُ أنْ أصرفَهُم في تحصيلِ رزْقي ولا رِزْقهم بلْ أتفضلُ عليهمْ برزقِهم وبَما يصلحُهم ويعيِّشَهم منْ عندِي فليشتغلُوا بمَا خُلِقوا لَهُ منْ عِبادِتي { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } الذي يرزقُ كلَّ ما يفتقرُ إلى الرزقِ، وفيهِ تلويحٌ بأنَّه غنيٌّ عنْهُ وقُرِىءَ إنِّي أنَا الرزاقُ { ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } بالرفعِ عَلى أنَّه نعتٌ للرزاقِ أوْ لذُو أَوْ خبرٌ بعدَ خبرٍ أوْ خبرٌ لمضمرٍ وقُرِىءَ بالجَرِّ عَلى أنَّه وصفٌ للقوةِ على تأويلِ الاقتدارِ أوِ الأيدِ.

{ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أيْ ظلُموا أنفسَهمُ بتعريضِها للعذابِ الخالدِ بتكذيبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أوْ وضعُوا مكانَ التصديقِ تكذيباً وَهُم أهلُ مكةَ { ذَنُوباً } أيْ نصيباً وافراً منَ العَذَابِ { مّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَـٰبِهِمْ } مثلَ أنصباءِ نُظَرائِهم منَ الأممِ المحكيةِ وهُو مأخوذٌ من مقاسمةِ السُّقاةِ الماءَ بالذَنوبِ وهُوَ الدلُو العظيمُ المملوءُ { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } أيْ لا يطلُبوا منِّي أنْ أُعجِّلَ في المجىءِ بهِ يقالُ استعجَلهُ أيْ حثَّهُ عَلى العَجَلةِ وأمره بها ويقالُ استعجلَهُ أيْ طلبَ وقوعَهُ بالعجلةِ ومنْهُ قولُه تعالَى: { { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [سورة النحل، الآية 1] وهُو جوابٌ لقولِهم { { مَتَى هَذا الوعدُ إنْ كنُتم صادقينَ } [سورة يونس، الآية 48] { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } وضعَ الموصولَ موضعَ ضميرِهم تسجيلاً عليهم بِمَا في حيزِ الصلةِ منَ الكُفر وإشعاراً بعلةِ الحكمِ. والفاءُ لترتيبِ ثبوتِ الويلِ لهُم عَلى أنَّ لَهُم عذاباً عظيماً كَما أنَّ الفاءَ الأُولى لترتيبِ النَّهي عنْ الاستعجالِ عَلى ذلكَ، ومَنْ في قولِه تعالَى: { مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ } للتعليلِ أيْ يوعدونَهُ منْ يومِ بدرٍ وقيلَ يومُ القيامةِ وهُو الأنسبُ بَما في صدرِ السورةِ الكريمةِ الآتيةِ والأولُ هُو الأوفقُ لما قبلَهُ منْ حيثُ إنَّهما منَ العذابِ الدنيويِّ.

عنِ النبـي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قرأَ والذارياتِ أعطاهُ الله تعالَى عشرَ حسناتٍ بعددِ كُلِّ ريحٍ هبتْ وجرتْ في الدُّنيا" .