التفاسير

< >
عرض

فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٣٤
أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ
٣٥
أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
٣٦
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ
٣٧
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ
٣٩
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ
٤٠
-الطور

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ } مثلِ القرآنِ في النعوتِ التي استقلَّ بها من حيثُ النظمُ ومن حيثُ المَعْنى { إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ } فيما زعمُوا فإنَّ صدقَهم في ذلكَ يستدعي قدرتَهم على الإتيانِ بمثله بقضيةِ مشاركتِهم لهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في البشريةِ والعربـيةِ مع ما بهم من طولِ الممارسةِ للخطبِ والأشعارِ وكثرةِ المزاولةِ لأساليبِ النظمِ والنثرِ والمبالغةِ في حفظِ الوقائعِ والأيامِ، ولا ريبَ في أن القدرةَ على الشيءِ منْ موجباتِ الإتيانِ به ودواعِي الأمرِ بذلكَ { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء } أي أمْ أُحدِثُوا وقُدِّروا هذا التقديرَ البديعَ من غيرِ محدِثٍ ومقدّرٍ؟ وقيل: أم خُلقوا من أجلِ لا شيءٍ من عبادةٍ وجزاءٍ { أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ } لأنفسِهم فلذلك لا يعبدون الله سبحانَهُ { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } أي إذا سئلوا منْ خلقكم وخلق السمواتِ والأرضَ قالوا الله وهم غيرُ موقنينَ بما قالُوا وإلا لما أعرضُوا عن عبادتِه { أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ } أي خزائنُ رزقِه ورحمتِه حتى يرزُقوا النبوةَ من شاءُوا ويُمسكوها عمَّن شاءُوا، أو عندَهم خزائنُ علمِه وحكمتِه حتى يختارُوا لها من اقتضتِ الحكمةُ اختيارَهُ { أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } أي الغالبونَ على الأمورِ يدبرونَها كيفما شاءُوا حتى يدبروا أمرَ الربوبـيةِ ويبنوا الأمورَ على إرادتِهم ومشيئتِهم، وقُرِىءَ المصيطرونَ بالصادِ لمكانِ الطاءِ { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ } منصوبٌ إلى السماءِ { يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } صاعدينَ إلى كلامِ الملائكةِ وما يوحَى إليهم من علمِ الغيبِ حتى يعلمُوا ما هو كائنٌ من الأمورِ التي يتقوّلونَ فيها رجماً بالغيبِ ويعلقونَ بها أطماعَهُم الفارغةَ { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } بحجةٍ واضحةٍ تصدّق استماعَه.

{ أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } تسفيهٌ لهم وتركيكٌ لعقولِهم وإيذانٌ بأنَّ من هذا رأيُه لا يكادُ يعدُّ من العقلاءِ فضلاً عن الترقِّي إلى عالمِ الملكوتِ والتطلعِ على الأسرارِ الغيبـيةِ. والالتفاتُ إلى الخطابِ لتشديدِ ما في أمِ المنقطعةِ من الإنكارِ والتوبـيخِ.

{ أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْراً } رجوعٌ إلى خطابِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإعراضٌ عنْهُم أي بلْ أتسألُهم أجراً على تبليغِ الرسالةِ { فَهُمُ } لذلكَ { مّن مَّغْرَمٍ } من التزامِ غرامةٍ فادحةٍ { مُّثْقَلُونَ } محمّلونَ الثقلَ فلذلكَ لا يتبعونكَ.