التفاسير

< >
عرض

أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
٤١
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ
٤٢
أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٣
وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ
٤٤
فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
٤٥
يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٤٦
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٧
-الطور

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } ي اللوحُ المحفوظُ المُثبَتُ فيه الغيوبُ { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } ما فيه حتَّى يتكلمُوا في ذلكَ بنفىٍ أو إثباتٍ { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً } هو كيدُهم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم في دارِ الندوةِ { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هم المذكورونَ، ووضعُ الموصولِ موضعَ ضميرِهم للتسجيلِ عليهم بما في حيزِ الصلةِ من الكفرِ وتعليلِ الحكمِ به، أو جميعُ الكفرةِ وهم داخلونَ فيهم دخولاً أولياً { هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } أي هُم الذينَ يحيقُ بهم كيدُهم أو يعودُ عليهم وبالُه لا مَنْ أرادُوا أنْ يكيدُوه وهو ما أصابَهُم يومَ بدرٍ أو هُم المغلوبونَ في الكيدِ من كايدتُه فكِدتُه { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } يعينُهم ويحرسُهم من عذابِه { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أيْ عن إشراكِهم أو عن شركِة ما يُشركونَهُ { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً } قطعةً { مّنَ ٱلسَّمَاء سَـٰقِطاً } لتعذيبِهم { يَقُولُواْ } من فرطِ طغيانِهم وعنادِهم { سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ } أي هُم في الطغيانِ بحيثُ لو أسقطناهُ عليهم حسبَما قالُوا: { { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا } [سورة الإسراء، الآية 92] لقالُوا هذا سحابٌ تراكمَ بعضُه على بعضٍ يُمطرنا ولم يُصدِّقُوا أنه كِسَفٌ ساقطٌ للعذابِ { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ } وقُرِىءَ حتى يلقَوا { يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ } على البناءِ للمفعول من صعقتْهُ الصَّاعقةُ أو من أصعقتْهُ. وقُرِىءَ يَصعقُون بفتحِ الياءِ والعينِ وهو يومُ يصيبُهم الصعقةُ بالقتلِ يومَ بدرٍ لا النفخةُ الأولى كما قيلَ: إذْ لا يُصعقُ بَها إلا مَنْ كانَ حياً حينئذٍ ولأنَّ قولَه تعالى:

{ يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } أيْ شيئاً من الإغناءِ بدلٌ من يومَهم ولا يَخفْى أنَّ التعرضَ لبـيانِ عدمِ نفعِ كيدِهم يستدعِي استعمالَهم له طمعاً في الانتفاعِ به وليسَ ذلكَ إلا ما دبرُوه في أمرِه صلى الله عليه وسلم من الكيدِ الذي من جُملتِه مناصَبتُهم يومَ بدرٍ، وأما النفخةُ الأولى فليستْ ممَّا يجري في مدافعتِه الكيدُ والحيلُ وقيل: هو يومُ موتِهم وفيهِ ما فيهِ مع ما تأباهُ الإضافةُ المنبئةُ عن اختصاصِه بهم { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } من جهةِ الغيرِ في دفعِ العذابِ عنُهم { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي لهُم ووضعُ الموصولِ موضعَ الضميرِ لما ذُكرَ من قبلُ أي وإنَّ لهؤلاءِ الظلمةِ { عَذَاباً } آخرَ { دُونِ ذَلِكَ } دُونَ ما لاقوه من القتلِ أي قبلَهُ وهو القحطُ الذي أصابَهُم سبعُ سنينَ أو وراءَهُ كما في قولِه:

تُريكَ القَذَى منْ دُونِها وهو دونها[تراه إذا ما ذاقها يتمطق]

وهو عذابُ القبرِ وما بعَدُه من فنونِ عذابِ الآخرةِ. وقُرىءَ دونَ ذلكَ قريبـاً { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنَّ الأمرَ كَما ذكرنَا، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ فيهم مَنْ يعلمُ ذلكَ وإنما يصرُّ على الكُفرِ عناداً أو لا يعلمونَ شيئاً أصلاً.