التفاسير

< >
عرض

فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ
١٠
مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ
١١
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ
١٢
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ
١٣
عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ
١٤
-النجم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَأَوْحَىٰ } أي جبريلُ عليهِ السَّلامُ { إِلَىٰ عَبْدِهِ } عبدِ الله تعالَى، وإضمارُه قبلَ الذكرِ لغايةِ ظُهورِه كَما في قولِه تعالَى: { { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا } [سورة فاطر، الآية 45] { مَا أَوْحَىٰ } أيْ من الأمورِ العظيمةِ التي لا تَفِي بها العبارةُ أو فأَوْحَى الله تعالى حينئذٍ بواسطةِ جبريلَ ما أَوْحى، قيلَ أَوْحى إليهِ أنَّ الجنةَ محرمةٌ على الأنبـياءِ حتى تدخلَها وعلى الأممِ حتى تدخلَها أمتكَ { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ } أي فؤادُ محمدٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ { مَا رَأَىٰ } أي ما رآهُ ببصرِه من صورةِ جبريلَ عليهما السَّلامُ أي ما قالَ فؤادُه لما رآهُ لم أعرفْكَ ولو قالَ ذلكَ لكانَ كاذباً لأنه عرفَهُ بقلبِه كما رآهُ ببصرِه وقُرىءَ ما كذَّب أي صدَّقَهُ ولم يشكَّ أنه جبريلُ بصورتِه { أَفَتُمَـٰرُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } أي أتكذبونَهُ فتجادلونه على ما يراهُ مُعاينةً، أو أبعدَ ما ذُكِرَ من أحوالِه المنافيةِ للمماراةِ تمارونَهُ، من المراءِ وهو الملاحاةُ والمجادلةُ واشتقاقُه من مَرَى الناقةَ كأنَّ كلاًّ من المتجادلينَ يمرِي ما عندَ صاحبهِ، وقُرِىءَ أفتمْرونَهُ أي أفتغلبونَهُ في المراءِ منْ ماريتُه فمريته ولِما فيهِ من مَعْنى الغلبةِ عُدِّيَ بعَلَى كما يقالُ غلبتُه عَلى كَذَا وقيلَ: أفتمرونَهُ أفتجحدونَهُ من مَراهُ حقَّهُ إذَا جحدَهُ { وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } أي وبالله لقَدْ رأى جبريلَ في صورتِه مرةً أُخرى من النزولِ نصبت النزلُةَ نصبَ الظرفِ الذي هو مرةٌ لأن الفَعْلةَ اسمٌ للمرةِ من الفعلِ فكانتْ في حُكْمِها، وقيلَ: تقديرُه ولقد رآهُ نازلاً نزلةً أُخْرى فنصبُها على المصدرِ. { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } هي شجرةُ نبْقٍ في السماءِ السابعةِ عن يمينِ العرشِ ثمرُها كقِلال هَجَرَ، وورقُها كآذانِ الفيولِ تنبعُ من أصلِها الأنهارُ التي ذكرَهَا الله تعالَى في كتابِه يسيرُ الراكبُ في ظلِّلها سبعينَ عاماً لا يقطعُها، والمُنْتهى موضعُ الانتهاءِ أو الانتهاءُ كأنَّها في مُنْتَهى الجنةِ وقيلَ: إليها يَنْتهي علمُ الخلائقِ وأعمالُهم ولا يعلمُ أحدٌ ما وراءَها، وقيلَ ينتهِي إليها أرواحُ الشهداءِ، وقيلَ ينتهي إليها ما يهبطُ من فوقِها ويصعدُ من تحتِها قيل: إضافةُ السدرةِ إلى المُنْتهى إما إضافةُ الشيءِ إلى مكانِه كقولِك أشجارُ البستانِ أو إضافةُ المحلِّ إلى الحالِّ كقولك كتابُ الفقهِ، والتقديرُ سدرةٌ عندَها مُنتهى علومِ الخلائقِ أو إضافةُ المِلكَ إلى المالكِ على حذفِ الجارِّ والمجرورِ أي سدرةُ المُنْتَهى إليهِ وهُو الله عزَّ وجلَّ قالَ تعالَى إلى ربِّكَ المُنْتهى.